كان يضحك ضحكته الواسعة الجميلة في كل مرة أقول له {أنت كبيرهم الذي علمهم السحر}، وكنت أعني ما أقول، فهو الأب الشرعي للسرد الكويتي، وهو واحد من كبار سحرة السرد العربي كله.

كلما ذكرته ارتسمت على وجهي ابتسامة واسعة، حتى وأنا أكتب عن موته، إذ كيف أفتقد شخصاً سيظل باقياً في عشرات الروايات المبدعة وآلاف المواقف الإنسانية الجميلة. مثل إسماعيل فهد إسماعيل لا يرحل، وإن غاب عن عالمنا، فقد أدى ما أراد على خير وجه.

Ad

من زاوية أخرى، لا يليق البكاء على الكبار الذين تمكنوا بقوة إرادتهم وبوعيهم أن يحفروا لأنفسهم مساراً خاصاً في هذه الحياة، الذين ستخلد أسماؤهم في سجل من غيروا ثقافاتهم وطوروها. من يستحق البكاء هم الذين يمرون بلا أثر يذكر وليس إسماعيل. أود فقط أن أكتب شهادة عن بيت إسماعيل، أول بيت دخلته في الكويت.

في الأيام الأولى من وجودي بالكويت أراد الصديق الشاعر نادي حافظ أن يعرفني إلى كوكبة من أدباء الكويت والوطن العربي. لم يفكر كثيراً في اصطحابي إلى بيت إسماعيل، حيث كانت الجلسات التحضيرية الأسبوعية لملتقى الثلاثاء. هناك وجدت وطناً صغيراً يشبه الأوطان الحقيقية التي يصنعها المفكرون والمبدعون حول العالم. هكذا كان بيت إسماعيل وقلبه، مساحة نقية للتفاعل الفكري والإبداعي والإنساني.

التقيت الجميع هناك: العظيم خلدون النقيب، وصبيح السلطان، وسعود السنعوسي، وحمود الشايجي، وطالب الرفاعي، وعبد الرحمن الحلاق، وأبو مازن، وإبراهيم فرغلي، ودخيل الخليفة، وآدم يوسف، ومحمد النبهان... وكل من يمكن أن يطرأ اسمه على ذهن القارئ الكريم من أدباء ومثقفين فاعلين في المشهد الثقافي الكويتي والعربي، ممن يعيشون على أرض الكويت الطيبة.

ليس هذا وحسب، بل كان بيت إسماعيل نقطة التقاء الضيوف من الأدباء والمثقفين والفنانين الذين يزورون الكويت. بكل بساطة وعبقرية تمكن إسماعيل أن يفتح قلبه ووعيه وبيته لكل من أراد الارتواء منه. لم يكن إسماعيل متواضعاً في إحساسه بموهبته ودوره الثقافي، بل كان على العكس واعياً بحجم ما لديه. لكنه كأي مثقف حقيقي رأى أن هذه المكانة التي منحتها له الموهبة والثقافة تضع عليه مسؤولية جسيمة، فمثله لا بد من أن يكون مشعاً على من حوله، مانحاً لكل ما يملك من طاقة فنية وإنسانية. الأجمل أنه لم يكن يحاول صنع نسخ منه في شباب الكتاب الذين أفادوا من ثروته الإبداعية والمعرفية والإنسانية، بل كان حريصاً أن يكون لكل منهم شخصيته، وهو ما حدث في جيل من كتاب السرد الكويتيين المبدعين.

في السنوات الأخيرة كان إسماعيل غزيراً في الكتابة وإصدار الروايات كمن يسابق الزمن. عكف على الكتابة بكثافة يعجز عنها الشباب المتحمس، كمن يريد إتمام المهمة ومنح الثقافة العربية كل ما لديه حتى آخر قطرة حبر في قلمه.

إلى لقاء يا إسماعيل، وأعدك أن تبقى ضحكتك الجميلة ملء أذني وعيني.