تندد إدارة ترامب علانية بالصين لمحاولتها التأثير في السياسات الأميركية قبيل انتخابات منتصف الولاية، لكن الحكومة الأميركية تتطلع في المجالس الخاصة إلى ما بعد شهر نوفمبر، فيما توسّع بكين قدرتها الكبيرة أساساً على التدخل في الديمقراطية الأميركية على الأمد الطويل، ويجب أن تدرك الولايات المتحدة هذا الخطر المتنامي وتستعد للرد.

ففي حين تتصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، تستخدم الصين نفوذها الاقتصادي لتمارس الضغط على النظام السياسي الأميركي، وتشمل المناورات المعتمدة الضغط على الشركات الأميركية لتسعى إلى التعامل مع الصين ومعاقبة المصدرين الأميركيين، وخصوصاً في المواضع التي تتركز فيها قاعدة الرئيس ترامب السياسية.

Ad

غرّد ترامب، الذي يأخذ هذه المسألة على محمل شخصي، أن الصين "تعمل بجد للتأثير في انتخاباتنا وتغييرها بمهاجمة المزارعين، ومربي الماشية، والعمال الصناعيين بسبب ولائهم لي". كذلك هدد ترامب برد غير محدد وصعّد الخلاف التجاري بإعلانه رسوما جمركية إضافية على سلع صينية بقيمة مئتي مليار دولار.

في المقابل تنكر الحكومة الصينية أي تهم بالتدخل السياسي في الخارج، وتعتبر دوماً تقارير مماثلة انعكاساً لطريقة تفكير الحرب الباردة المعادية للصين، كذلك اشتكت الصين بعدما ذكر مستشار الأمن القومي جون بولتون على شبكة ABC News الصين بين أربع دول تتدخل في عملياتنا السياسية. فردت إدارة ترامب على هذه الشكوى بالطلب من بكين تأكيد أنها لا تشارك في نشاطات مماثلة، لكن الحكومة الصينية بدّلت الموضوع. يشكّل الإكراه الاقتصادي واحداً من مناورات التدخل الصينية الكثيرة، وتشمل المناورات الأخرى الدعاية عبر التلاعب الإعلامي، فقبل أيام أمرت وزارة العدل الأميركية وسيلتين إعلاميتين تابعتين للدولة الصينية تعملان في واشنطن بالتسجيل كوكالتين أجنبيتين، ويذكّرنا هذا بالخطوة التي اتُخذت بحق وسائل الإعلام التابعة للدولة الروسية بعدما أفاد المجتمع الاستخباراتي الأميركي أن موسكو تستخدمها في حملة تدخلها عام 2016. بالإضافة إلى ذلك اشترى الحزب الشيوعي الصيني وحلفاؤه عدداً من وسائل الإعلام الناطقة بالصينية داخل الولايات المتحدة كجزء من جهده للتأثير في الصينيين في الخارج، وشملت هذه المساعي أيضاً بناء مسؤولي الحكومة علاقات مع طلاب ومؤسسات بحث صينيين بغية إسكات انتقاد الصين في الجامعات.

أخيراً، تتدخل الصين من خلال استمالة النخب الأميركية وإقناعها بالترويج لرسائل الحزب الشيوعي الصيني في عهد الرئيس شي جين بينغ، حيث بدأ هذا الحزب العمل على تعزيز استراتيجيته الشاملة لعمليات التأثير في الخارج التي تُدعى عمل "الجبهة الموحدة"، وتشرف على هذا النظام، الذي ما زال يوصف بمصطلحات ماوية (حشد أصدقاء الحزب بغية ضرب أعدائه)، هيئة عمل الجبهة الموحدة التابعة للحزب.

يشير تقرير نشرته الشهر الماضي لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية-الصينية: "تشرف هيئة عمل الجبهة الموحدة على "العمل الصيني" الذي يرمي إلى استمالة الأشخاص والمجتمعات المنتمين إلى الإثنية الصينية والمقيمين خارج الصين، فيما يسعى عدد من المنظمات الرئيسة المعنية الأخرى، التي توجهها استراتيجية الجبهة الموحدة الصينية الأوسع، إلى التأثير في عمليات تستهدف دولاً ولاعبين أجانب".

يكشف هذا التقرير البنية الداخلية لماكينة التأثير الأجنبي التي تشغّلها بكين والتي تتألف من شبكة من المنظمات الأجنبية المرتبطة بنظام الجبهة الموحدة وعلاقاتها المالية الواسعة مع منظمات الولايات المتحدة ومؤسساتها الأكاديمية والفكرية. في شهر مارس امتصت هيئة عمل الجبهة الموحدة عموماً ثلاث هيئات أخرى تابعة للحزب الشيوعي، منها لجنة الدولة للشؤون الإثنية، وإدارة الدولة للشؤون الدينية، والمكتب الصيني للشؤون الخارجية التابع لمجلس الدولة، ويسمح هذا التعاون للحزب بقمع الأويغور داخل الصين من دون أي عقبات، مهدداً في الوقت عينه أفراد عائلاتهم في الخارج، إذ تشكّل هذه كلها استراتيجية واحدة بالنسبة إلى بكين. أضف إلى ذلك عمليات التجسس والقرصنة الصينية التقليدية التي وصفها مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي بـ"التحدي الأوسع، الأكثر شموالية، والأكثر صعوبة" الذي يواجهه بلدنا في مجال الاستخبارات المضادة. إذاً تبدو قدرة بكين على إحداث خلل في السياسات الأميركية أكبر بكثير مما نحن مستعدون للتعاطي معه.

بالنظر إلى وضع روسيا قد تستنتج بكين أن كلفة حملة تدخل سياسي واضحة وضخمة قد تكون عالية، ولكن مع مواصلة التوتر ارتفاعه قد يتبدل تقييم بكين للكلفة مقابل الفوائد، وفي الوقت عينه، يستمر التدخل الصيني المتواصل الأكثر هدوءاً من دون أي مواجهة.

الدرس الذي نستمده من انتخابات عام 2016 هو أن علينا مواجهة التدخل الأجنبي في السياسات الأميركية قبل أن يتحول إلى أزمة مفتوحة، فما عاد بإمكاننا تجاهل قدرات الصين النامية على تقويض أنظمتنا الديمقراطية.

* جوش روجين

*«واشنطن بوست»