أحد الأصحاب من ضحايا التصنيف المعتبرين الذين ترفع لهم القبعة أو العقال أيهما أقرب ليد والده التي كان يستخدمها ليهوي بها على ظهره وهو صغير، واصفاً إياه ومصنفاً له بأنه "سربوتي"، وهي الصفة المرادفة لليبرالي عند بعض أفراد مجتمعنا حاليا.

وطبعا وقطعا وصدقا ليست مرادفة ولا هم يحزنون، ولكن من يقنع البعض وأبا صاحبنا وعقاله، حفظ الله صوفه ووبره؟! وبعد فقرة السربوتي اتخذ صاحبنا تصنيف الإسلامي خصوصا معنا بالديوانية، حيث يقوم هو بدوره بتصنيف خلق الله كفاراً ومسلمين، ويصف أعمالهم بحلال أو حرام من قبل أن يرتد طرف استكانته لطرف شفته.

Ad

وبعد السربوتي والإسلامي أصبح صاحبنا بروليتارياً حسب تصنيف رب عمله؛ لأنه شارك يوما في اعتصام عمالي بشركته يطالب فيه ببدل طريق دراهم معدودات تسند راتبه الأعرج، وفي آخر الشهر كان يذهب حاله حال خلق الله في "الويكندات" إلى مطعم فاخر مع صحبه "ليرخي هناك النوط" حتى يذهل الجراسين عن صحونهم فيتهامسون يفكرون، يتساءلون، يتخيلون، عن تصنيفه من يكون؟ برجوازيا أم أرستقراطيا أم من الحيتان؟!

ولأن من ضحك بالثرمان يضحك بلا سن، فقد ابتليت بعد ضحك سنوات على تصنيفات صاحبنا بمتلازمة التصنيف في الـ"تويتر"، حيث التصنيف هناك ماركة "الخمطة بربع" توزع مجانا على روح المرحوم، الخلاف الذي لا يفسد للود قضية، وفي قصة منع الكتب مؤخراً صنفت كليبرالي مرة لأنني اعترضت على تكوين لجان الرقابة وفق رؤية محددة تنظر للسطور نظرة أحادية الجانب، وطالبت بتشكيلها من كل أطياف المجتمع وتطعيمها بالمختصين، فموضوع القراءة وحرية الكلمة ليسا سلقاً لبيض، بل تركيبة علاجية معقدة يحتاجها جسد المجتمع للتخلص من مرض الجهل.

ومرة أخرى صنفت كإسلامي لأن الحرية المطلقة لم تكن يوما ضمن ملتي واعتقادي، فلا شيء يحمل صفة "مطلق" في دستور الواقع، وبعض الكتب لا يمكن مجرد التفكير بالسماح لها، فالكتاب سلاح ذو حدين قد يستخدم لعلاج الجهل، وقد يستخدم لتكريس الجهالة ذاتها، وخصوصا الجهالة القشورية المغلفة بأوهام التحضر والتطور.

والقراءة ذاتها قد تعمل على زيادة الوعي كما قد تعمل في حال استغلت كدعاية لشيء مضر متفق على ضرره على ترسيخ مفاهيم خطرة تهدم كيان المجتمع ذاته ووحدة الدول، كالكتب التي ترسخ حالات الطائفية الإقصائية والعنصرية المفرقة والسلوكيات اللا أخلاقية وغيرها.

وبعد الليبرالية والإسلامية والتي واللتيا من يدري فلربما أصنف غدا كشيوعي لأن عقلي صرخ في برية الـ"تويتر" و"بملء فمه: يا "آمال" العالم اتحدوا فقد "بلغ سيل يأس النافوخ الزبى!!".