القيم لا تباع ولا تشترى، فهي إما أن توجد أو لا توجد.

وانهيار الشعوب والدول والأنظمة يبدأ دوماً بانهيار القيم، وهي عملية قد تبدأ بمقادير صغيرة، ولكنها تتفاقم وتتراكم ببطء، حتى تصل إلى لحظة الانهيار المريع.

Ad

ولا توجد في التاريخ حركة تحرر أو ثورة استطاعت أن تنتصر، إن لم تبدأ ببناء وتبني منظومة قيم راسخة مثل الوطنية، والاستعداد للتضحية، والإخلاص والصدق، والوفاء والاستقامة، والنزاهة.

وما من حركة فشلت، إلا وترافق ذلك مع تفشي أنماط النفاق، والوشاية، والخداع، والدسائس والرياء، والمعايير المزدوجة.

ولطالما ترافقت فترات المد الوطني الثوري مع تعاظم قيم الوفاء، والتضحية والعطاء، والتكافل والتضامن، وقد كان لدينا مثل ساطع على فترة كهذه في الانتفاضة الشعبية الأولى التي يترحم الناس على أيامها، ويتمنون عودتها.

وما يقلقني هو السؤال الطبيعي: بأية قيم نربي أطفالنا وشبابنا وشاباتنا الصغار؟ وما هي النماذج التي يقدمها المحيط الذي يعيشون فيه؟ هل يتربون على قيم احترام زملائهم وزميلاتهم وإسنادهم عند الحاجة، أم يتربون على روح الأنانية والذاتية المفرطة، والوشاية بأصدقائهم، ومعلميهم، والتربص لأخطائهم؟

هل يتعلمون أن يغفروا لأخطاء إخوتهم ليتعلموا معهم منها، أم يتخذون ذلك فرصة لنهشهم والإساءة لهم؟ هل يعلمهم المجتمع أن مصيرهم الشخصي مرتبط بمصير وطنهم ومجتمعهم، أم يلقنهم مقولة "المهم نفسي ومصالحي، ولو جاء بعدي الطوفان"؟

هل يتثقفون بروح التفاني من أجل الآخرين، أم يتعلمون أن أسلوب التقدم هو الوشاية بالآخرين، وافتعال الأكاذيب للتحريض ضدهم؟ وما أسوأ حظ من يستكين لتخدير الوشاة والمنافقين!

هل نعلمهم الإخلاص للحقيقة والشجاعة والجرأة في الدفاع عنها، والبسالة في انتقاد الأخطاء والممارسات الخاطئة أم تتربى فيهم مشاعر الخنوع، والجبن، وأساليب النفاق والتزلف؟

ليس الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي خطراً لأنها تتيح حرية التعبير، بل لأنها تكشف مكنونات الصدور، ولأنها تعري وتفضح أحياناً ما يقوله بعض الناس في نميمتهم البعيدة عن الموضوعية، والعبيدة للمصالح الشخصية المتعارضة مع مبدأ احترام القانون والنظام، الذي طالما كان يدعو له شيخنا الراحل حيدر عبد الشافي، ولأن الفيسبوك يتيح وسيلة لكل منافق أن يدلي بدلوه في نشر ما يعرف أنه كذب ومنافٍ للحقيقة.

لن ننجح إن لم نحارب آفة الكذب، والخداع، والوشاية والنفاق، ولن ننتصر إن لم تُعزز قيم الجرأة والشجاعة والصدق، والتفاني، واحترام حق الآخرين في الاختلاف بالرأي، ولن نتقدم إن كانت الغيرة والحسد لنجاحات المتفوقين هي المحرك للأفعال، والدسائس، للنيل من نجاحاتهم.

وما من شعب بحاجة إلى القيم اليوم مثل الشعب الفلسطيني.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية