بين الفترة والأخرى نقرأ تصريحاً على لسان المسؤولين في وزارة الأوقاف عن البدء بتأهيل مجموعة من المدانين بجرائم متعلقة بالإرهاب أو التطرف كالمجموعة المسماة بـ "أسود الجزيرة" أو العائدين من "داعش"، ومؤخراً المدانين بالمساهمة في تفجير مسجد الإمام الصادق.

ولا أعلم أمانة أسباب اختيار "الأوقاف" لهؤلاء المدانين لتأهيلهم دون غيرهم، فهل يوجد مقومات خاصة للمجرمين المستهدفين بالتأهيل؟ وهل ينطبق هذا التأهيل على مختلف المدانين بجرائم مشابهة كالانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو المدانين بجرائم متعلقة بأمن الكويت؟ بمعنى آخر: هل ينطبق التأهيل أيضاً على خلية العبدلي مثلاً؟

Ad

عموماً، فإن موضوعي لا يتعلق بمعايير اختيار من يتم تأهيله من قبل وزارة الأوقاف من المدانين، بل هو مجرد سؤال عابر، لكن موضوعي الرئيسي: من سيؤهل هؤلاء أصلاً؟ ومن سيتولى إعادة غرس المفاهيم فيهم، أو كما يقول وكيل وزارة الأوقاف فريد عمادي، في تصريحاته المتعلقة بتأهيل المدانين، بأن برامج التأهيل هدفها تعريف المدانين بحقيقة الشريعة الإسلامية.

فمشكلتنا الأساسية اليوم في رأيي ليست في المدانين؛ فهم اليوم على الأقل يقبعون في السجون وسوء فهمهم للدولة وقوانينها وحقيقة الشريعة الإسلامية، كما تسميها وزارة الأوقاف، سيقتصر على مبنى السجن الذي يقبعون فيه، أما من يقوم بالتأهيل فهم من يجب علينا معرفة هوياتهم وأفكارهم ومنطلقاتهم.

فهل سيكون القائمون على التأهيل ممن يحرمون اليوم الطابعة ثلاثية الأبعاد بحجة أنها تنتج أصناماً؟ وهم أنفسهم الذين حرّموا، وأكرر حرموا، التلفزيون والستالايت والهاتف وكرة القدم وغيرها!

خذوا هذا المثال ليزيد الاستيعاب... أحمد خالد، وهو اسم فرضي مدان بجريمة تفجير داخل دولة الكويت ويقبع في السجن حاليا، قررت وزارة الأوقاف تأهيله ليتفهم حقيقة الشريعة الإسلامية، وأوكلت هذا التأهيل إلى شخصيات تحرم الطابعة ثلاثية الأبعاد، فما كان من هذه الشخصيات إلا أن نقلت أفكارها إلى أحمد خالد، وأصبح ينهل منها ما يفترض أنه حقيقة الشريعة الإسلامية كما ترغب وزارة الأوقاف، ليخرج أحمد خالد من السجن بعد مدة ويشاهد فيديو لأحد الأشخاص الذين قاموا بتأهيله، وكان مضمون الفيديو أن الطابعة ثلاثية الأبعاد حرام، وبالطبع فإن أحمد خالد يثق بهذه الشخصية التي قامت بتأهيله وتعريفه بحقيقة الشريعة الإسلامية، فما كان من أحمد خالد بعد مشاهدة الفيديو إلا الذهاب إلى شركة اليوسفي ودمر الجهاز المعروض لديهم أو استهدف أحد القائمين على هذه الشركة حماية للشريعة الإسلامية الصحيحة، حسبما كان يؤمن، فمن سيتحمل المسؤولية حينئذٍ؟

المسألة أبعد من تأهيل المدانين، وهم بلا شك نتيجة وليسوا سبباً للتطرف، بل إن التطرف الأساسي هو لدى من يغرس الأفكار في عقول هؤلاء، بحجة أنه وحده يملك مفاتيح الشريعة الصحيحة، والتأهيل الفعلي يكون بمراجعة أفكار من يقوم بتقديم الدروس والخطب، ويتولى المناصب المتعلقة بالإرشاد الديني في المقام الأول، فهم السبب وهم التراجع، وهم من يحتاجون إلى تأهيل فوري طويل المدى.