"أنت عمري"... عبارة دأبنا على ترديدها تعبيراً عن حبنا الكبير والعميق لآخر ما، لكن هذه العبارة مريبة وتفتح باباً من أبواب الشيطان، تمنح قائلها الإذن بسرقة عمرنا تحت وطأة مشاعره الجياشة تجاهنا، وتسلبنا حقنا في أن نكون المتصرفين الوحيدين بما لا نملك بديلاً له ولا يمكننا الحصول على سواه لنهبه بمجمله مقابل كلمتين فقط، لنبقى في العراء ومهب الريح برجاء أن يمّن علينا من وهبناه إيّاه بقليل من أيام سعيدة من بعضه، أو يتصدق علينا منه بما يبل ريق آمالنا.

"أنت عمري" يقصد بها غالباً أن عمرك ملكٌ لي، لا العكس كما نظن أو كما يوحي لنا قائلها، والذي يتصرف بناء على ما قصده هو، لا على فهمنا نحن، فيسعى إلى انتزاع ثوب العمر الخاص بنا ليلبسه ثوباً من تصميمه هو، يُرضي ذائقته، يضع لمساته الشخصية عليه، يختار لونه، مقاسه، طول أكمامه، شكل أزاره، ونوعية نسيجه!

Ad

إن هؤلاء الذين يفصّلون لنا ثياب أعمارنا، لن يدفعوا هم ثمن أي خطأ قد يؤدي إلى تشويهها، بل سيسارعون إلى إعلان البراءة من سوئها، ولن يتبقى سوانا بهذه الثياب البشعة، فإن بقينا مرتدين لها بدونَا كالحمقى أو كالمهرج الأبله، وإن نزعناها بانت عورتنا!

"أنت عمري" تعني دع قيادة عمرك لي وليس شرطاً أن تتمتع بالرحلة، إنها دعوة مبطنة لنا للترجل عن صهوة أعمارنا لمصلحة الداعي، والرضا بالركوب خلفه أو السير وراءه، هي رخصة مفتوحة لنقل ملكية العمر، وتوثيق عقد بالامتلاك والهيمنة وإعادة تشكيل وبناء من الصفر لنا، وهي لا تصب في خانة الشراكة لهذا العمر، إنما التفرد المطلق في رسمه وإلباسه الثوب المناسب لهوى قائل العبارة، فالشراكة تعني الإضافة وزيادة الثراء لما لدينا لا استلابه والاستيلاء عليه.

"أنت عمري" لا تعني الذي "ابتدا بنورك صباحه" كما قالت "الست"، ولا يوحي السلوك في الواقع ترجمة لذلك، إنها تعني إطفاء قناديلنا، ومصادرة أقمار قلوبنا واقتفاء ضوء غامض والسير خلف نهار ربما كان أعمى.

هذه العبارة لا تدل سوى على جشع وأنانية قائلها وشهوته المحمومة لالتهام أعمارنا طازجة، ولن يكتفي من ذلك حتى يتجشأ أو يصاب بتخمة السنين، ولن يفرغ من ذلك حتى يستفرغها!

العمر باعتقادي له خصوصية حساسة جداً، وله من الحميمية ما يجعل من استلابه أو الاستيلاء عليه من قبل كائن من كان - سوى مالكه- محرماً، ولا يجوز لسواه أن يعيشه نيابة عنه، إنه أكثر خصوصية من فرشاة الأسنان والملابس الداخلية، ليس من المقبول استخدامه سوى لشخص واحد فقط!