لأنه ثبت أن سورية هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة الروسية الذي جاء بعد "تسوية إدلب" مباشرة وبعد ساعات قليلة فقط، فإن هناك من سيرجح أن نظام بشار الأسد قد دخل مرحلة العد العكسي، وأن الإيرانيين بدورهم سيخرجون من هذه المعادلة وإن تدريجياً، وأن ما أبرم في قمة سوتشي الثنائية بين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان غير مستبعد أنه قد تم إنْ ليس برعاية أميركية فبموافقة، مما يشير إلى أن الأيام المقبلة ستشهد تحولات ومستجدات كثيرة.

إن المعروف، وهذا معلن، أنَّ قمة "سوتشي" الثنائية هي امتداد لما يسمى عملية "الأستانة"، وأن المفترض أنها تأتي في دائرتها، وأن المعروف أيضاً أن إيران شريك رئيسي في هذه العملية، أي عملية الأستانة هذه، وأنها حضرت كل لقاءاتها مَن منها على مستوى القمة ومن منها على مستويات أدنى، مما يعني أن إبعادها عن هذه القمة الثنائية هو مؤشر واضح على بداية إخراجها من هذه الدائرة، دائرة الأزمة السورية، إن ليس نهائياً ومرة واحدة فبصورة تدريجية وبحيث إذا بقي أي حضور لطهران في هذا المجال فإنه سيكون حضوراً شكلياً وبوضعية: "شاهد ما شافش حاجة".

Ad

وهنا في هذا المجال، فإن أغلب الظن أن ما جلب انتباه كل من شاهد وتابع المؤتمر الصحافي الذي عقده فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان كنهاية لقمتهما الثنائية في "سوتشي" هو أنَّ وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو الروسيين بدَوا غير مرتاحين، مما يعني أن تسوية إدلب قد تكون الحلقة الأولى في تحولات رئيسية بالنسبة للأزمة السورية وفي اتجاه غير الاتجاه الذي بقي مستمراً ومتصاعداً منذ عام 2015 حتى الآن.

إنه ما كان من الممكن أن يغير الرئيس الروسي السياسات التي بقي يتبعها إزاء الأزمة السورية منذ عام 2015 لا بل منذ انفجار هذه الأزمة في مارس عام 2011 لولا أنه أدرك أنَّ هناك مستجدات أميركية جدية في الشرق الأوسط كله وفي هذه المنطقة بأسرها، وأن هذه المستجدات قد تعيد رجب طيب إردوغان إلى معادلة الولايات المتحدة إن هو لم يغير مواقفه ومواقف بلاده السابقة، وإن هو لم يتحرك بسرعة ليكسب تركيا بدلاً من أن يبقى متشبثاً بإدلب و"بقاعدة حميميم" وبالتالي ببشار الأسد ونظامه المتهاوي.

إن المعروف وما لا اختلاف عليه هو أن العلاقات بين الدول مصالح وأن العلاقات هي التي تتبع المصالح وتتكيف معها، ولذلك فإن فلاديمير بوتين الذي غدا مشهوراً بـ"براغماتيته" مستعد لشطب إيران ونظام بشار الأسد من كل حساباته "الاستراتيجية" و"التكتيكية" أيضاً من أجل أن يكسب تركيا ويحافظ على إبعادها وابتعادها عن الولايات المتحدة والاستمرار في السعي لإخراجها من حلف شمالي الأطلسي، ولذلك فإن المتوقع أن تكون خطوة الرئيس الروسي التالية هي وضع الحل السياسي في سورية موضع التطبيق وعلى أساس القرار الدولي 2254 وشروط المرحلة الانتقالية.