«خيط العمر»، لماذا هذا العنوان؟

في الخمسين الأول من العمر راودني حلم كبير تمنيت أن يتحقق ذات يوم، «خيط العمر» هو قصيدة فرح وجرح معاناة يقطب مراحل الحياة ويرسم المشاعر صوراً تتخطى الواقع والبصر، لتصير حكاية تتآخى والشمس والقمر، وتغوص في جماليات الوجود. ففي قصيدة «عمري» مثلاً أقول: «عمري بدمع العاطفة غرقان/ والقلب شو تعبان من كتر السفر/ والموج غالي ومركبِك بردان/ ناطرِك والليل غافي عا حجر».

Ad

لماذا لم تنشر أي ديوان قبل اليوم مع أنك غزير الإنتاج الشعري؟

لا تطيب الثمار إلا بعد أن تنضج جيداً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يلتزم الأدباء والشعراء بمواعيد محددة، فالجراح هي التي تفجر الأفكار والفرح الّذي تتدفق منه الصوَر الشعرية، وتجعل القلب يضحك تماماً مثل طفل.

صور من الحياة

إلى من تتوجه في الديوان؟

كل كتاب أدبي يتضمن موضوعات مختلفة ويكتب لغايات إنسانية. أتوجه في كتابي إلى القراء العاديين منهم والنخبة، لأن «خيط العمر» كتب بصدق ووفاء وصراحة تامة وواقع الحياة.

من أين استلهمت قصائد الديوان؟

للمعاناة أثر كبير في حياة الشاعر كذلك للفرح والتعاطي مع مختلف طبقات المجتمع. ناهيك عن الأثر الأكبر، وهو للمرأة التي تعطينا الأفكار الشعرية والصور الرائعة، ومن خلالها نستلهم كل جديد في أدبياتنا وقصائدنا. كذلك استلهمت شعري من قريتي الكحالة الواقعة في منطقة جبل لبنان، وخصصتها بقصائد عدة في الديوان من بينها قصيدة «أخت الشمس»، أحكي فيها جماليات هذه البلدة العريقة وأهلها الذين واجهوا الصعاب بقوة وعزيمة، وأتوقف عند عطر زيتونها الأخضر وأعيادها، وصور عالقة في ذهني منذ الطفولة من بينها: رغيف الخبز فوق الموقدة والشمس المتغلغلة بين أشجار الصنوبر والورد المتفتح على أدراج المنازل...

هل يتضمَّن الديوان قصائد من مراحل حياتك؟

في ديوان «خيط العمر» قصائد من مراحل حياتي. ثمة قصائد حول الطفولة، وريعان الشباب، وتفجر الانفعالات والمشاعر وروح المغامرة، وبدء مراحل النضوج والوقت الحاضر وما يحفل من تجارب الزواج والأبوّة... فقد خصصت قصائد لزوجتي وولديّ، كذلك قصيدة لوالدي الذي علمني كيف أنظم القوافي، وقد جعلت قلبي مسكناً دائماً له... وفي الديوان أيضاً قصائد عن غياب الأحباب والجرح الذي يتركه في القلب. ففي قصيدة «دق الوجع بابي» مثلاً أقول: «دقّيت باب الفرح/ دقّ الوجع بابي/ زعلان قلبي انجرح/ عَ غياب أحبابي/ فكري سرح مشتاق للغيّاب/ مال الدني ما رجع الأحباب/ ومن دمع عيني تغسّلو تيابي/ ودمع الفرح بالمحبرة حطّيت/ وعلّقت قلبي عَ دموع الباب/ وراجع معي التنهيد والسرساب/ بحبر شوقي اكتب كتابي.

أين موقع الحلم في شعرك؟

من دون الحلم لا نرى شعراً. فالأحلام هي المصدر الأساسي لقصائد الشعراء. الفن والموسيقى والشعر هي وسائل للتحايل على الوجع أو هي معزوفة الفرح وروعة النجاح والرضا والكمال.

شعر وذكريات

هل تخشى العمر وهل الشاعر يشعر بالعمر أكثر من الإنسان العادي؟

ليت للحرف صوتاً كي يسمعني جميع الناس. لا أخشى العمر بالمعنى المتعارف عليه ولكن لا بد من التفكير في الأيام المقبلة علينا، وما تحمل من محاسن أو سلبيات، لأنه لم يكن لنا يومٌ اختيار موعد الفراق أو الغياب، لذلك أشعر بلذة اللحظة وأتمتع بالحياة وأكتب على عدد دقات قلبي شعراً وذكريات.

ديواني كمشة عمر ملأى بالفرح والتجلي. هو فعل حب وإيمان ورسالة من القلب إلى قلوب القراء الأعزاء، هو حصاني إلى عوالم لا حدود لها من التعبير عن الذات والمحبة الكلية.

إلى أي مدى يؤدي المحيط الذي تعيش فيه دوراً في استلهام شعرك؟

انطلاقاً من القول المأثور «الأديب ابن بيئته»، أقول إن البيئة تشكل عاملاً مهماً في حياة كل إنسان، وكم بالحري في حياة الشاعر المتصف بالحساسية والحنين إلى الينابيع. لا يلغي ذلك أن الشاعر يتمتع بمزايا ليست كلها من صميم بيئته.

للمرأة حضور قوي في شعرك، فهل صورتها وليدة الواقع أم الخيال؟

عندما أحمل قلمي لا ألتفت ورائي، بيد أن لا صورة خيالية إلا وترتكز على واقع ما، وإن لم تكن المرأة أمامي فهي ممتطية على صهوة جوادي الأبجر. فالقصيدة التي تكتب عن المرأة تعتبر شبه خالدة لأن المرأة هي أهم عنصر في الحياة البشرية.

يتكرر الفرح في قصائدك فمن أين تستمدّه؟

الشعر خزانة فرح، يتغلب على الأسى والحزن ويزرع الأمل والابتسامة. أضف إلى ذلك أجواء العائلة المريحة التي تجعلك في رحاب الإنسانية الفرحة، وكلما عاش الشعر في حياتك ليلاً ونهاراً تزهر الكلمات وتتبرعم القصائد، وهذا ما يجعلنا نعيش الفرح.

الشاعر عادة يكتب عن المعاناة فيما تكتب عن الفرح، فهل هو فرح نابع من تجارب مريرة؟

لا فرح في الوجود إلا بعد معاناة، وحياة الإنسان فرح ومعاناة لأنه يمرّ بأزمات اجتماعية أو عائلية ثم تنفرج أسارير وجهه وتظهر الابتسامة على محياه. الفرح اسم وفعل لم يوصف إلا بعد الوجع والغياب، فهو مزيج من الواقع والخيال، والحياة ليست فرحاً دائماً ولا أسى دائماً، وعلى الإنسان أن يعيش اللحظة بكل تجلياتها ويعرف كيف يتصرف خلال حياته القصيرة.

هل تحاكي في شعرك حالات معينة؟

طبعاً لا يتوقف الكاتب أو الشاعر عند حالات معينة من دون سواها، فهو يتوقف عند صرخة متألم أو دمعة اشتياق أو فرح غامر نحن بأمس الحاجة إليه، نرسمه على الورق لنعوّض ربما عن فقدانه في بعض مراحل حياتنا. ففي قصيدة «ليلة مبارح» مثلاً أقول: «عَ سطوح الكون كان الفكر سارح/ مشغول بالو وين نبعك يا فرح/ عَ إيدي عطر من ليلة مبارح/ سكبتو عا قلبي بعد ما القلب انجرح».

المحكية اللبنانية

يعتمد الشاعر عنتر رزق الله اللغة المحكية اللبنانية في شعره. حول اختياره هذه الطريقة في التعبير يوضح: «أنا لبناني أولاً وقبل أي شيء آخر وقد تشربت اللغة المحكية منذ الطفولة، وهي اللغة التي أتحدث بها في كل المناسبات والأوقات والتي تنبع من القلب إلى القلب، وتتسع للأفكار والمفردات والتعابير، وهي تعبر عن عفوية التناغم بين «جرح الفرح والفرح المجروح».

حول جديده الذي يعمل عليه راهناً يضيف: «أعمل راهناً على كسر حاجز الخوف بين العمر وخَيط العمر، ذلك أن العمر كله مزيج من الفرح والأحزان بينما خَيط العمر كله رجاء وأمل».