من المؤسف أن حلول الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاق أوسلو تحول إلى مناسبة جديدة لتراشق الاتهامات، ولتوجيه الملامات، ولتكرار المواقف السابقة، بدل أن يكون مناسبة للحوار النقدي الموضوعي الذي يمكن أن يساعدنا على استخلاص العبر، والتعلم من الأخطاء، وبعضها دون شك كان فادحاً.

ولعل الاستنتاج الرئيس الذي يجب أن نستخلصه بعد 25 عاماً من توقيع اتفاق "أوسلو"، أن الإدارة الأميركية الحالية وإسرائيل متفقتان على إنهائه، وشريكتان في تدمير فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وذات السيادة الحقيقية، وتتعاونان على النيل من حقوق الشعب الفلسطيني، وتُرجم ذلك من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وقطع المساعدات عن "الأونروا"، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإطلاق عنان الاستيطان، والسعي لشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، مما يدل على انصياع كامل للرؤية الإسرائيلية المتطرفة لتصفية قضايا الحل النهائي والتي كان يجب أن يتم التفاوض عليها، والانتهاء منها بحلول عام 1999.

Ad

هل كان اتفاق أوسلو ناجحاً أم فاشلاً؟ هذا هو السؤال الذي تكرر في وسائل الإعلام أكثر من غيره، وبرأيي فإنه كان فاشلاً وناجحاً. كان فشلاً محبطاً بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني، وكان نجاحاً عبقرياً للحركة الصهيونية وإسرائيل لأنه سمح لها بمواصلة الاحتلال بلا تكاليف، بل ومع أرباح.

فشل اتفاق أوسلو فلسطينياً لأنه بُني على اعتقاد خاطئ بأن إسرائيل مستعدة للقبول بحل وسط، ثم اتضح أن إسرائيل استخدمت اتفاق أوسلو لكسب الوقت، وفرض أمرها الواقع على الأرض من جانب واحد، ولتكريس نظام التمييز العنصري الأسوأ في التاريخ، إضافة إلى استخدام الاتفاق لإحداث شرخ في الصف الفلسطيني، وكمدخل للتطبيع مع العالم.

ولعل أخطر ما جرى مؤخراً كان إقرار قانون القومية التهويدي، والذي يعني شيئاً واحداً أن "فلسطين كلها لليهود فقط" وأن "حق تقرير المصير محصور باليهود فقط"، وبالتالي فإن ما تكرسه إسرائيل بعد 25 عاما من اتفاق أوسلو، هو منظومة أبرتهايد وتمييز عنصري أسوأ مما كان قائماً في جنوب إفريقيا.

وفشل نهج المفاوضات فلسطينياً، لأنه استند إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون راعياً نزيهاً للمفاوضات.

ولعلها مفارقة تاريخية أن تترافق ذكرى توقيع الاتفاق مع إعلان الولايات المتحدة إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن فيما مثل إعلاناً إسرائيلياً أميركياً مشتركاً لوفاة وانتهاء ما سمي باتفاق أوسلو.

هناك خمسة أخطاء كبيرة ارتكبت، واستغلتها إسرائيل بشكل كبير في اتفاق أوسلو وهي:

1. الاعتراف غير المتكافئ، حيث اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل، دون أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين، ودون تحديد حدود "دولة إسرائيل".

2. تم توقيع الاتفاق دون اشتراط وقف الاستيطان كما كان يطالب د. حيدر عبد الشافي، وبالنتيجة ارتفع عدد المستوطنين عند توقيع الاتفاق من 111 ألف مستوطن، إلى حوالي 700 ألف مستوطن اليوم.

3. أن الاتفاق كان جزئياً انتقالياً ومرحلياً دون الاتفاق على النتيجة النهائية التي يسير نحوها التنفيذ المرحلي، وبالتالي بقيت القضايا الرئيسية مؤجلة ومن ثم طبقت إسرائيل خططها المنفردة بشأن كل منها كالقدس، والاستيطان والأمن، والمياه.

4. القبول بمبدأ تجزئة الأراضي الذي تم في اتفاق القاهرة بعد اتفاق أوسلو عام 1994، وهذه التجزئة تشكل اليوم المشكلة الأكبر في حياة الشعب الفلسطيني، ونتج عن تقسيمات (أ، ب، ج)، نشوء 224 تجمعاً وجزر مقطعة الأوصال في الضفة الغربية بالجدار، والاستيطان، والحواجز، وصارت المنطقة (ج) التي تشكل 62 في المئة من مساحة الضفة مكرسة بالكامل للاستيطان.

هذه الاستنتاجات تقودنا إلى ضرورة تبني إستراتيجية وطنية فلسطينية بديلة لما اتبع حتى الآن، هدفها المركزي تغيير ميزان القوى، والتحرر من اتفاق أوسلو ومن ملحقاته بما فيها اتفاق باريس الاقتصادي بالكامل، ومن كافة الالتزامات المجحفة بما في ذلك التنسيق الأمني، وإستراتيجية تركزعلى ستة عناصر، هي:

1. المقاومة الشعبية الواسعة.

2. حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل.

3. توحيد الصف الوطني وإنهاء الانقسام.

4. تعزيز الصمود الفلسطيني على الأرض.

5. إعادة بناء مكونات التكامل بين الشعب الفلسطيني في الداخل، والأراضي المحتلة، والخارج.

6. خلخلة معسكر الخصم بسلسلة من النشاطات والمبادرات الفلسطينية في مختلف الميادين، وفي كل أنحاء العالم.

رغم كل ما حققته إسرائيل من إنجازات عبر اتفاق أوسلو فإنها تواجه معضلتين كبيرتين وهما:

1. الوجود الديموغرافي على أرض فلسطين، إذ إن عدد الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين التاريخية تجاوز عدد اليهود الإسرائيليين.

2. استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني للمخطط الصهيوني.

و بالتالي فنحن في مرحلة تتطلب أن ندرك عناصر قوتنا، وأن نعالج عناصر ضعفنا.

وعلى الحركة الصهيونية والعالم أن يعلموا أنه في حال أقدمت إسرائيل على تدمير فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، فلن يكون هناك إلا حل واحد وهو دولة واحدة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات على كل أرض فلسطين، ولا يمكن أن تكون هذه الدولة يهودية أو عنصرية.

وما يجب أن يفهمه العالم من حولنا أن شعب فلسطين لم ولن يرضخ أبداً، ولن يقبل أن يكون أبناؤه عبيدا لنظام العبودية والأبارتهايد، وسيكافح بكل طاقته من أجل الحرية والكرامة والعدالة.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية