إذن، كما تبين، لم يغرق اليمين المتطرف السويدي في انتخابات الأحد الماضي... احذروا التوقعات التي تنادي بالأسوأ لأوروبا، حيث تكون هذه أحياناً أقل ارتباطاً في الواقع منها بعقيدة مَن يسعون إلى تقويض المشروع الأوروبي، يملكون مخاوف عميقة منه، أو يعتقدون بكل بساطة أنه يتداعى. تستقطب عناوين الأخبار المخيفة الصاخبة المزيد من الانتباه، وتعزز الخطابات المتحيزة البساطة المفرطة، ولست واثقة من أنني تفاديتها دوماً.

ولكن بالنظر إلى الطريقة التي تشوَّه بها سمعة أوروبا دوماً وتُنعت بشتى النعوت، نستخلص أن أمراً آخر يُعدّ... تصوَّر هذه القارة القديمة بسرعة وتهورٍ من خلال عدسة ترامب والخروج البريطاني الخطيرة. وتؤدي وسائل الإعلام الدولية الناطقة بالإنكليزية دوراً كبيراً في هذه المسألة، فعندما تتأملها معاً، تُنتج "قراءة" عن أوروبا تخال معها أن الاتحاد الأوروبي متوجه إلى "مزبلة التاريخ"، منحدراً بدون رجعة نحو التصادم السياسي تماماً كما حدث مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة في عام 2016: انفصال مفاجئ عنيف عن الجزء الأكبر مما كان سائداً سابقاً، انفصال اعتُبر حتى النهاية آمناً، ولكن ما حدث معنا سيحل بكم قريباً.

Ad

الانتخابات تلو الأخرى، تقع القارة ضحية أسوأ الأسوأ، يزدهر الديماغوجيون وتنتشر الحركة الاستبدادية، التي يُعتبر فيكتور أوربان وماتيو سالفيني من أبرز قادتها، كذلك تتلبد الأجواء بسحب الكره، والخوف، والانهيار الديمقراطي، على غرار ما كان سائداً في ثلاثينيات القرن الماضي، ويتداعى الاتحاد الأوروبي.

ولكن ماذا لو كانت أسس فيلم الرعب الأوروبي هذه غير دقيقة أو حتى غير مرجحة ألبتة؟ ماذا لو كنا منهمكين في إخافة أنفسنا بدل أن ننظر بدقة وتمعن إلى الوقائع كاملة؟ وماذا لو كنا نواجه خطر الاستسلام لموجة إخبارية أوروبية "قاتلة" يقودها الأنصار المتشددون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومروجو العقائد "الترامبية" بدل أن نسعى لفهم الكثير من النقاط الرمادية والملونة؟

في الولايات المتحدة، قاد جنون ترامب البعض إلى الالتفات في بادئ الأمر إلى أوروبا، معتبرين أنها حل لإحباطهم (أنجيلا ميركل قائد العالم الحر وإيمانويل ماكرون الوجه الجديد لليبرالية العالمية)، ولكن عندما خابت آمالهم، ساد جو من الغموض وانتشرت رواية عن نهاية العالم الديمقراطي.

في خريف عام 2017، سألني أحد سكان نيويورك كان يزور لندن: "هل أنت فرنسية؟ باريس عاصمة المقاومة!"... صدمتني كلماته هذه، وخلال مأدبة غداء أخيراً في لندن، سألني أيضاً أحد زملائي عما إذا كنت أظن أن إنكلترا قد تشبه ما تتحول إليه أوروبا، ملمحاً على الأرجح إلى اعتقاده أن العصابات الفاشية الجديدة المعادية للسامية ستجوب قريباً شوارع عواصمنا.

لا نولي اهتماماً كافياً للشبكات الشعبية الموالية للديمقراطية والاتحاد الأوروبي التي تضم ناشطين شباناً من مختلف أرجاء أوروبا. فلم تشغل هذه الشبكات عناوين الأخبار، بخلاف أقلية غبية تطارد الأجانب في مدينة كيمنتس. بما أن الكثير مما تحدث عنه إيمانويل ماكرون أخفق نتيجة إضراب عمال سكك الحديد في مطلع هذه السنة فإنه يعمل راهناً على بناء التحالفات قبل الانتخابات الأوروبية السنة المقبلة. صحيح أن ستيف بانون أحد أصدقاء مارين لوبان، إلا أن هذه الأخيرة تواجه ضائقة مالية كبيرة نتيجة اتهام حزبها بإساءة استخدام الأموال المخصصة لرواتب المساعدين. على نحو مماثل، جاء الكلام عن احتمال موت أنجيلا ميركل السياسي مبالغاً فيه، حين تحداها في فصل الصيف المنصرم الحزب الشقيق لحزبها، الاتحاد الاجتماعي المسيحي. فتُظهر كل إشارة اليوم إلى أنها ستخرج منتصرة من كل هذه المعمعة، كذلك يحقق الخضر الألمان تقدماً، فهل ينادي أحد بذلك؟

لا يعني ما تقدّم أن نقلل من أهمية المشاكل التي تواجهها أوروبا، وبما أن الهجرة تشكّل اليوم المحور الرئيس السائد في كل المناظرات السياسية الأوروبية، فمن المنطقي أن يتحدث ماكرون وحلفاؤه عن لحظة وجودية تتواجه فيها كتلتان: "التقدمية" و"القومية".

عندما ننظر من بعيد، نميل على الأرجح إلى تبسيط القارة الأوروبية، نشعر براحة فكرية عندما نرسم أنماطاً يُفترض أن تنطبق تلقائياً بغض النظر عما إذا كانت الجغرافيا تعوق بعض التفاصيل. ومقابل عدسة "ترامب-الخروج البريطاني"، نرى نقيضها: الرواية الراقية الرومانسية عن منح الاتحاد الأوروبي كل القدرة والقوة التي يروج لها مَن يودون إبقاء صرح الأب المؤسس للاتحاد الأوروبي، جان مونيه، قائماً.

أؤكد بدون خجل أنني أنتمي إلى المجموعة الثانية، ولكن من الضروري أن ننتبه إلى مخاطر المجموعة الأولى، كما ذكر مونيه ذات مرة، لا تسألوا عما إذا كان يجب أن نعرب عن التفاؤل أو التشاؤم، بل اسألوا عما إذا كنا عاقدي العزم، من الصعب بالتأكيد فهم كل تطورات أوروبا الدقيقة، ولكن في هذه التطورات تكمن الحلول.

* ناتالي نوغايريد