المفترض أنه لا خلاف، كردياً أو عراقياً، ولا عربياً، ولا بالنسبة لأي مراقب في الكون والكرة الأرضية، على أن الصواريخ التي أطلقتها إيران على كردستان العراقية كانت من قبيل استعراض القوة، ومن قبيل تحذير الأميركيين من أن دولة الولي الفقيه لديها ما ترد به على تهديداتهم، ولديها ما تقوله للعراقيين الذين أكدت "انتفاضة" البصرة الأخيرة أن الالتزام القومي (العربي) بالنسبة إليهم له الأولوية على "التمذهب" والطائفية، وعلى كل هذه الألاعيب والمخططات الإيرانية.

لقد استهدفت الصواريخ السبعة، التي أطلقها حراس الثورة على العراق وخرقوا من خلالها السيادة العراقية، مقراً للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي هو نسخة إيرانية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، الذي يقوده الزعيم مسعود بارزاني، والحقيقة أن هذه الصواريخ قد استهدفت الحس القومي للعراقيين، عرباً وكرداً، وأنها جاءت كتحذير استعراضي للأميركيين، على غرار ما يفعله مسافر الصحراء ليلاً، الذي بدل أن يصمت، صمت الموتى، يبدأ بـ"الحداء" بصوت مرتفع للتغطية على مخاوفه وعلى ضربات قلب مرتجفٍ نتيجة الخوف والهلع.

Ad

كنا نقول لأشقائنا في القيادات الكردية – العراقية إن مشكلتهم ليست مع العرب، بل مع الأتراك والإيرانيين، وإنه لا يجوز أن يكون لديهم كل هذا الكره للأمة العربية كأمة، لا كأنظمة وحكومات، وذلك في حين أنهم، وفي كل المراحل والعصور السابقة، كانوا شركاء في المسيرة الحضارية لهذه الأمة، وكانوا شركاء، وعلى قدم المساواة في هذه المسيرة، والدليل أنّ صلاح الدين الأيوبي قاد الأمة الإسلامية في مرحلة من أخطر مراحلها، وأنه لا يزال يعتبر حتى في كتب أطفالنا بطلاً كردياً بقدر ما هو بطل عربي وإسلامي.

لقد كان الكرد شركاء أساسيين ورئيسيين في العراق سابقاً ولاحقاً وحتى الآن... حتى بعدما تعاظمت النزعة الكردية القومية، الانفصالية أو الاستقلالية، وهذا ينطبق على سورية التي شغل موقع رئاسة الجمهورية فيها أربعة من أبنائها الكرد، وينطبق أيضاً على الأردن، وعلى المسيرة النضالية الفلسطينية، وهنا فإنه لابد من التأكيد على أن هذا لا يعني، ويجب ألّا يعني، أنه لا يحق لهؤلاء الأشقاء فعلاً أن تكون لهم دولتهم المستقلة، في إيران وتركيا أساساً، لأنهم في هاتين الدولتين يشكلون الأكثرية الكردية، ثم بعد ذلك في كل أماكن وجودهم العراقية والسورية.

وهكذا، فإن المعروف أن دولة مهاباد الكردية في عام 1946 تآمر عليها شاه إيران (الأول) مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وأن أول إعدامات بالجملة نفذتها الثورة الإيرانية، بعد انتصارها، استهدفت أكراد كرمنشاه الإيرانية، وأن الإيرانيين هم الذين أحبطوا استفتاء كركوك، وأنّ الأكثرية الكردية في تركيا، التي يقال إن عددها يتجاوز الثلاثين مليوناً، بقيت تتعرض لمذابح متلاحقة.

كل هذا، بينما بقي العرب ينظرون إلى أشقائهم الكرد، وبخاصة في العراق وسورية، نظرة احترام وتقدير، وأن من حقهم أن يكونوا متساوين معهم في الحقوق والواجبات.