أيهما أهم؛ إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن دي سي، أم اعتراف أميركا بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، أم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أم إيقاف الدعم الذي تقدمه أميركا إلى وكالة غوث وتشغيل وتعليم اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)؟

إغلاق مكتب المنظمة، على أهميته، هو خطوة سياسية ذات بُعد دبلوماسي، تحدث بين الدول، وبالإمكان العودة عنها في أي لحظة، مثل أي خلافات دبلوماسية أو سياسية.

Ad

في المقابل، فإن خسارة "أونروا" للدعم ستؤثر على مئات الآلاف من الفلسطينيين بشكل مباشر وفي حياتهم اليومية، في تعليمهم ورعايتهم العامة.

كذلك، فإن اعتماد القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية لها، هي خطوة هيكلية بنيوية في الصراع العربي - الإسرائيلي، مع أنها لم تحظ بدعم دولي، ولم تقم بتلك الخطوة إلا دول قليلة. ومع ذلك أعادت باراغواي سفارتها إلى تل أبيب، في خطوة على رمزيتها، إلا أنها سببت إحراجاً متزايداً، دفع نتنياهو إلى إعلان إغلاق سفارته في باراغواي.

كانت الكتابات واضحة على الجدران، فالحكومة الأميركية بدأت بالخطوة الأصعب، وهي نقل السفارة، ومن ثم خطوة متوسطة الحجم بإيقاف الدعم عن "أونروا"، وبالتالي كانت خطوة إغلاق المنظمة في واشنطن مجرد تحصيل حاصل.

بطبيعة الحال، لم يكن ذلك ليحدث، لولا وجود "تفاهمات" عربية - أميركية على ذلك، أو في أسوأ الأحوال "تفهّم" للموقف الأميركي. أما ما هو أدهى وأمرّ فهي حالة الانقسام الحاد بين الفلسطينيين أنفسهم، ولن يكون هناك مبرر مقبول لاستمراره.

إعلان الإغلاق، والتهديد بفرض قيود صارمة على المحكمة الجنائية الدولية، في الوقت ذاته، يأتيان في الحزمة ذاتها، فالمحكمة على وشك النظر في شكاوى ضد الولايات المتحدة في أفغانستان وكذلك إسرائيل. ولم يكن مستغرباً أن تأتي تلك التهديدات ضد الفلسطينيين والمحكمة الدولية على لسان أكثر الأشخاص تطرفاً في الحكومة الأميركية، وهو جون بولتون، فهو لا يحتاج إلى توصية من أحد، ففي مفهوم التطرف يصح أن نطلق عليه أنه "كبيرهم الذي علّمهم السحر".

حكاية أميركا مع المحكمة الجنائية الدولية مخجلة، وتحتاج إلى إفراد آخر، فمنذ ولادة اتفاقية روما لإنشاء المحكمة سنة 1998، مروراً بدخولها حيز التنفيذ سنة 2002، ظلت الولايات المتحدة وإسرائيل، وغالبية الدول العربية متفقين علناً، وهم نادراً ما يتفقون علناً على شيء، على إعاقة المحكمة ومنعها من العمل والفاعلية، وهم مستمرون في ذلك حتى اليوم.

التشدد والإجراءات الترهيبية الأميركية ضد الفلسطينيين يصلان إلى ذروتهما، رغبة في الحصول على تنازلات، مع أنه لم يبق شيء للتنازل عنه.