قضت محكمة الجنح، برئاسة المستشار د. محمد البصمان، ببراءة متهم بالإساءة إلى أحد النواب، في حين قضت بتغريم متهم آخر بالامتناع عن النطق بالعقاب، وإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة.

وأكدت دفاع المتهم المحكوم بالبراءة من "الجنح"، المحامية منى البصري، انتصار المحكمة للحريات، وبأحقية الأفراد في نقد المسؤولين، طالما لم يخرج النقد عن التجريح، معتبرة أنها استندت في دفاعها إلى حق الأفراد في التعبير عن الرأي الذي كفله الدستور، وانتقاد أداء أعضاء مجلس الأمة للمصلحة العامة.

Ad

وقالت "الجنح"، في حيثيات حكمها ببراءة المتهم من جريمة الإساءة إلى أحد النواب في حساب على شبكة التواصل الاجتماعي، بأن هذا النائب "لوَّث الدائرة التي ينتمي إليها المغرد"، إن "لكل فرد الحق في التعبير عن رأيه ومعتقده في جميع الأمور التي تهم المجتمع، فله أن ينتقد أي تصرف أو عمل أو رأي يصدر من أي شخص، مادام أنه يبتغي تحقيق مصلحة المجتمع وتقدمه، والحفاظ على سلامة البناء الوطني، فلا يحيده في ذلك إلا المحاذير التي نصَّ عليها القانون".

وأضافت المحكمة أن "دائرة المشروعية والإباحة تتسع كلما كان النقد موجها إلى شخصية عامة تنوب عن المجتمع في قضاء مصالحه، أو موظف عام، أو مكلف بخدمة عامة، باعتبار أن النقد -في هذه الحالة- يصب دائما في تحقيق المصلحة العامة، ولو صُيغ بألفاظ أو عبارات تنطوي على القوة أو الشدة أو المرارة".

وذكرت أنه "لا يخرج بالتالي عن حدود هذا النوع من النقد المباح إلا التعرض للأحوال الشخصية والحياة الخاصة التي لا تتصل بالعمل العام، ذلك أن مَن يحمل أمانة الخدمة العامة في الأجهزة الرسمية أو الشعبية يجب أن يكون مستعداً لهذا النوع من المساءلة، حفاظا على مصلحة الجماعة، وتغليبها على مصلحة الفرد".

ولفتت المحكمة أنها لا تساير النيابة العامة في أن المتهم الثاني نشر ما من شأنه المساس بسمعة المجني عليه الشاكي النائب، أو سبه أو قذفه أو الإساءة، ذلك أن الشاكي يشغل منصب عضو مجلس الأمة، ولا تثريب على مَن يوجه له النقد، وإن اشتدت عباراته، طالما أنه لم يتجاوز المحاذير التي نصَّ عليها القانون، فضلا عن خلو العبارات من أي مفردات نابية أو جارحة يمكن معها قيام المسؤولية الجزائية، الأمر الذي يجعله داخلا في دائرة الذي كفله الدستور؛ النقد المباح والقانون.

وبينت أنه "غني عن البيان، أن الديمقراطية وحق النقد صنوان لا ينفكان عن بعضهما، وهذا ما هو إلا انعكاس لحق حرية التفكير والتعبير، الذي أصبح من الأصول الثابتة في جميع الدول المتحضرة، وبناءً عليه تقضي المحكمة ببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه من اتهام، عملاً بالمادة 173/ 1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية".