تسمى الصحافة "السلطة الرابعة"، لما لها من قوة وتأثير قد تتفوق من خلالهما على قوة الحكومة بكل أدواتها ونفوذها، كما تعرف الصحافة بأحد جناحي الديمقراطية، لما تمثله من نبض الشارع وتوجه الرأي العام كأهم وسيلة للتعبير عن الموقف أو كمنبر أصيل لترجمة الحرية، إضافة إلى دورها المحوري في الوعي والدفاع عن الحقوق ومعالجة أوجه القصور والمشاكل وأشكال الفساد التي تعانيها الدولة.

لذا فإن على الصحافة مسؤولية كبيرة وخطيرة لأنها تخاطب العقول وتبني الهوية الوطنية وترسخ قيم التسامح وتنسج خيوط الالتقاء في المجتمع، خصوصاً إذا ما بُنِي على التعددية والتنوع الإثني والديني والسياسي تماماً مثلما هو الحال في الكويت.

Ad

وبناءً عليه، ولما تمتلكه الصحافة من قدرة فائقة على الانتشار والتوغل في كل بيت وعلى أكثر من صعيد فإنها قد تكون أداة للبناء والارتقاء الفكري والنضج المجتمعي وبوصلة نحو التنمية والتطور، كما أنها قد تتحول إلى معول للهدم والتفرقة وبث سموم الانشقاق والتمزق المجتمعي.

ومن هنا كان حرياً بالقائمين على الصناعة الصحافية توخي أقصى درجات الأمانة والإخلاص والمهنية الوطنية، سواء في نقل الخبر أو بيان الرأي، وإثارة ما هو مفيد على نطاق واسع، وإلا تحولت هذه الآلة الجبارة إلى مرتع للمصالح الشخصية أو الفئوية أو حتى إلى غطاء مزيّف لمآرب قبيحة قد يحسبها الجاهل نفعاً مؤقتاً وانتصاراً وهمياً، إلا أنها سوف تنعكس سلباً على الجميع، بما في ذلك القائمون عليها.

أعجبتني كلمة ساقها أحد رؤساء تحرير صحفنا المحلية في إحدى الندوات اختصرت الصحيفة بعبارة في غاية الدقة والخطورة، حيث قال بأن من يملك صحيفة في مجتمع فإنه كما يملك سلاحاً فتاكاً أمام جمهور من الناس العزل، وبإمكانه أن يفتح النار على الجميع ملحقاً بهم خسارة فادحة دون أن يكون لهم القدرة على الرد. واستدرك بأن العقل والمنطق وحسن الأخلاق ومخافة الله في عباده هي الرادع الوحيد الذي يحول دون القيام بمثل هذه الجريمة.

إن مجتمعنا بات ينزف دماً منذ عدة سنوات على وتر التعصب بأنواعه الطائفي والفئوي، ومع هذه النزيف وعلى أنغامه استغل ضعاف النفوس وعديمو الغيرة انشغال الناس بعضهم ببعض ليعيثوا في مقدرات بلدنا وثرواتها فساداً منظماً ونهباً ممنهجاً دونما حسيب أو رقيب، وقد تحولت الكثير من وسائل الإعلام، إلا ما رحم ربي، بوقاً لتمجيد وتلميع أدوات الفساد، تاركين أخطر قضايانا خلف صمت مريب، كما تحول البعض إلى أدوات للنفخ في مستنقع الفتن والتحريض والتشويه، بعدما كُمِّمت الأفواه ومُنِعت حرية الكلمة، وصودرت الأقلام الوطنية النزيهة.

نقولها بأسف كبير، الصحافة الكويتية التي طالما كانت تنافس على المركز الأول عربياً وإقليمياً وفق مؤشرات وتقييم العديد من مؤسسات رصد الحريات، هوت إلى القاع في السنوات الأخيرة حتى بالمقارنة مع مجتمعات كانت تعرف بالانغلاق، فلنرحم أنفسنا بقليل من الحياء في المهنية الإعلامية والصحافية!