كل مَن هَبّ ودَبّ أدلى بدلوه في قضية "الدفاع" المتعلقة بوفاة شابين، رحمة الله عليهما، وإسعاف آخرين... بالطبع نحن مليئون بالحزن، ولا يكفي أن نعبر عن ذلك بالعزاء أو بالتمنيات بالشفاء للآخرين، فذلك مفروغ منه.

لذلك، يجب أن نأخذ دروساً وعبراً، حتى لا تتكرر المأساة، وآمل من المسؤولين الاطلاع على تقرير مهم جداً أصدرته لجنة برلمانية بريطانية، ونشرته وزارة الدفاع على موقعها في عام 2018، وعنوانه:

Ad

Training and Exercise Deaths In the U.K.Armed Forces وترجمته: "الوفيات الناتجة عن التدريب والنشاط البدني بين الجنود في المملكة المتحدة".

هذا التقرير يغطي الفترة بين أول يناير عام 2000 و28 فبراير 2018، ويقع التقرير في ما يقارب العشرين صفحة، وهو مليء بالإحصائيات والرسومات التوضيحية، ولن أستطيع سرد حتى صفحة واحدة منها، ولكنني سأذكر أهم النقاط التي وردت بها، ولا أدعي أنني خبير في التنظيم الحراري للجسم، ولكنني أفهم الأمر نوعاً ما، من خلال تخصصي في التنظيم الحراري للجسم وكيفية العناية بمن يصاب بإرهاق حراري أو الأعراض التي تدل على بداية الإصابة بضربة الشمس القاتلة، أو التي تؤدي إلى تلف في وظائف الجسم الرئيسية قبل الوفاة.

وتفخر كلية الطب وقسم الفسيولوجي منذ طرحت فكرة مع تدريب بعض العاملين في مكة المكرمة على تشغيل أجهزة الرش والتبريد المنتظم لمن قد تبدو عليه علامات الإرهاق الحراري التي قد تؤدي إلى ضربة الشمس (Heat Storke)... وكان ذلك في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، مما أدى الى قلة الوفيات بدرجة كبيرة، وكذلك الإصابة بالإرهاق الحراري.

أهم النقاط التي وردت بالتقرير البريطاني هي:

1- ما بين يناير 2000 وفبراير 2018 هناك 141 جندياً توفوا أثناء التدريب.

2- من بين هؤلاء 106 جنود توفوا نتيجة حوادث وإصابات وجروح أثناء التدريب، و27 توفوا نتيجة أمراض معينة لم تكن معروفة أثناء انضمامهم للتدريب.

3- هناك ثلاث حالات فقط نتيجة الإرهاق الحراري والخلل في التنظيم الحراري للجسم، مما أدى إلى ضربات الشمس والوفاة.

وعذراً لأنني لا أستطيع الاسترسال لطول الموضوع، وكذلك التعقيدات التي تميز بها إحصائياً، والتي قد لا يستطيع فهمها القارئ العادي، ولكن الوفيات الثلاث التي حدثت كانت بسبب الحرارة المرتفعة في أسكوتلاندا... ومرتفعة تعني 30 درجة مئوية هناك، فما بالك بدرجات الحرارة التي لدينا في الكويت طوال الصيف!

ونحن لا نزال بانتظار تقارير الطب الجنائي في وفيات الكويت، رحمة الله عليهم، والمرضى عافاهم الله. فالمعروف أن هناك أعراضاً واضحة للإرهاق الحراري، منها الهلوسة وضياع الاتجاهات في الطريق وكثرة العرق وارتفاع حرارة الجسم، لأن التبريد يتم عن طريق تبخر العرق، وهذه هي بداية ضربة الشمس التي تتميز بجفاف الجلد وشدة حرارته عند اللمس، كما يحدث الدخول في حالة غياب الوعي ثم الغيبوبة التامة، نتيجة فشل وظائف أعضاء الجسم تدريجياً، كما يحدث في المخ والجهاز العصبي والقلب والرئة والكلى والكبد... فلو تم إسعاف المريض بنقله سريعاً إلى مكان بارد نوعاً ما، ونزع ملابسه ورشه بالماء الفاتر، مع التهوية المستمرة؛ لَتبخّر الماء، لكي يحمل السعرات الحرارية خارج الجسم، أي في الجو، لتبريد الجسم.

وكما ذكرت سابقاً هناك غرف متخصصة مع رشاشات ماء، والتهوية المناسبة بواسطة مراوح لإدخال من يشتبه بإصابته بأعراض تتعلق بالتنظيم الحراري.

لا أستطيع مع الأسف الشرح بإسهاب، ولكن نصيحتي لمن تناط به المسؤولية هي الاطلاع على التقرير الصادر من وزارة الدفاع، وهو منشور على الإنترنت، لعل وعسى أن نستوعب كل الدروس المتعلقة بحياة ونشاط أفراد القوات المسلحة، سواء البرية أو البحرية أو الطيران، وما ضربة الشمس إلا جزء بسيط منها، ولا يجب إهمال الجوانب الأخرى.

رحمة الله على من توفي، وتمنياتنا بالشفاء العاجل للمصابين، آملين ألا تتكرر تلك المآسي.