الروس هم الأكثر حماساً للهجوم على إدلب، فوزير خارجيتهم، سيرغي لافروف، مستمر في التصرف على أساس أنه جنرال هذه الحرب التي تواصلها روسيا ضد الشعب السوري منذ عام 2015 حتى الآن.

وحقيقة، بات معروفاً وواضحاً أن هذا البلد العربي أصبح محتلاً، على غرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وربما أخطر، وأن "نظامه" كما يصفه فلاحو بلادنا، بلاد الشام، مجرد "خيال المآتة"، الذي يستعين به المزارعون لإبعاد الطيور والعصافير عن بساتينهم الصيفية.

Ad

بات لافروف يكرر، عشرات المرات، في اليوم الواحد، أنه لم يعد يطيق ولا يحتمل أوضاع إدلب الحالية، وأنه لابد من "تحريرها"... وممن؟ من الشعب السوري والمعارضة السورية. فـ"النصرة" والإرهاب هي حكاية المخابرات الروسية ومخابرات بشار الأسد، بدعم من بعض العرب العاربة وأيضاً المستعربة، وعلى غرار ما هو عليه الأمر بالنسبة لـ"داعش"، الذي هو، حتى بعد الجرائم التي ارتكبها في السويداء، لا يزال يسرح ويمرح وعلى عينك يا تاجر في "القُطر العربي السوري"... في أطراف حوران وأطراف بادية الشام، وأغلب الظن أنه سيتم تقليد قادته أوسمة البطولة بعد انتهاء هذه الحرب، التي لن تنتهي، وبالتأكيد ستأخذ أشكالاً وأوضاعاً جديدة.

قال القائد السوري المعارض رياض الترك، الذي غادر سورية "تهريباً"، بعد عشر سنوات من العمل السري و"الاختفاء" بدمشق، في حديث لإحدى الصحف العربية المهاجرة: "إن الخلل الرئيسي لم يعد بقاء (مجرم الحرب) بشار الأسد، بل الاحتلال الأجنبي، وعليه فإن الحلقة المفصلية غدت هي إنهاء هذا الاحتلال"، لافتاً إلى أن إنهاء الاحتلال سيعني تلقائياً انتهاء هذا النظام. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه حقيقة معروفة، وأن الرئيس السوري نفسه اعترف بها قبل أن يتدخل الروس في 30 سبتمبر 2015 لحمايته وإنقاذه في اللحظات الأخيرة.

المهم، وسواء "سقطت" إدلب في أيدي الروس بـ"ديكور" نظامي، أي من نظام بشار الأسد، أم نجح الأميركيون في "فرملة" الأمور، وتم التوصل إلى تسوية، قد تكون مجحفة، فإن شعلة الثورة في هذا البلد الجريح لن تنطفئ إطلاقاً، وأن دماء مئات الألوف من الشهداء لن تذهب هدراً، وأن عودة ملايين المهجرين من الخارج سيعود معها إصرار على الثأر، على أساس بيت الشعر العربي القائل: "لن يموت الثأر في صدري وإن طال مداه".

لقد انتهت وصلة رئيسة من نضال الشعب السوري ضد هذا النظام، الذي يجثم على صدور السوريين منذ عام 1970، وربما قبل ذلك. والمفترض أن تبدأ وصلة جديدة، وتُستأنف الثورة، لكن بصيغ جديدة بعيدة عن كل أخطاء الفترة الماضية، وحيث يجب الاعتراف، وبكل شجاعة، بأن الأخطاء التي ارتُكبت من بعض القوى الرئيسة، التي من بينها "الإخوان المسلمون"، أدت إلى كل ما أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه عندما بدأت هذه "الثورة" أو هذه الانتفاضة كانت الحياة السياسية في سورية مدمرة تدميراً شاملاً، إذ إن الوصلة الأخيرة في سلسلة الانقلابات العسكرية، التي كان أولها انقلاب حسني الزعيم عام 1949، أجهزت على كل شيء، مما جعل الثائرين أو المنتفضين يبدأون في مارس 2011 من نقطة الصفر.