بعد صدور رواية "الصهد" لكاتب هذا المقال، التقيت بمعرض الكتاب العربي في الكويت دكتورا بكلية الشريعة قرأ الرواية واحتج على بعض المشاهد الحسية، التي يرى أنها تخدش الآداب العامة، وكانت تلك مشاهد لا يمكن تجاوزها في النص.

كان احتجاج الدكتور أنه لا يقبل أن تقرأ ابنته أو زوجته فقرة مثل تلك التي وردت في الرواية. استمعت للدكتور، الذي كان مؤدبا ومثقفا مطلعا، حتى أنهى اعتراضه، وسألته بهدوء:

Ad

هل تمتلك ابنتك أو زوجتك جهاز آيفون؟

نعم! ما علاقة ذلك بالموضوع؟

هل تعرف كم دقيقة تحتاج ابنتك لتعرض مشهدا جنسيا كاملا على شاشة تلفونها؟

نظر بعيدا في عيني، ثم قال بهدوء: ربما أقل من دقيقة.

هي لا تحتاج إذن لأن تقرأ أربعمئة صفحة لتعثر على مشهد حسيّ في فقرة واحدة.

صافحني الرجل وانسحب.

الرقابة التي تفرضها السلطة، ممثلة بوزارة الإعلام، يبدو أنها تسجيل موقف تجاه الأعمال الأدبية، لإرضاء أطراف، والابتعاد عن إغضابهم. دون شك هذه الأطراف هي التكتلات الدينية، سواء في مجلس الأمة، أو بجمعيات المجتمع المدني. تعرف الوزارة، وبحكم القانون، أنها لا تستطيع أن تمنع وصول كتاب لقارئه، وما تفعله ليس سوى رسم حالة البلاد الثقافية، ووصفها بأنها ضد حرية الكلمة، بعد أن كانت الكويت مثالا يحتذى به ومنارة خليجية يحسدها عليها الآخرون.

في أزمنة غابرة كان منع الكتاب ممكنا، وتستطيع السلطات أن تحد من انتشاره بشكل كبير، ويعود ذلك إلى أن المكتبات هي السوق الوحيدة المتوافرة للكتاب. وجميع دول العالم كانت في الماضي تمنع كتبا بعينها، لأسباب متفرقة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، بل أكثر من ذلك، كانت الكتب تُحرق حين تخالف الأنظمة وسياستها، ويضطر أغلب الكُتاب للهجرة إلى دول أكثر حرية تكون في الغالب مناهضة لبلد الكاتب. أما في عصرنا هذا، فيبدو أن منع كتاب ما من التداول مثار سخرية حقيقية.

أغلب الكتب التي يتم منعها هي كتب يعتقد الرقيب أنها تحتوي على كلمات منافية للآداب العامة، أو ضد الدين أو نظام الدولة ورموزها. والوضع ليس سوى وقفة احتجاج ورفض لهذه الآراء. أما مسألة منع التداول، فهي محاولة فاشلة، ولا يمكن تحقيقها. لنأخذ مثلا رواية الشاب عبدالله البصيص (طعم الذئب)، أو رواية سعود السنعوسي (فئران أمي حصة)، وهما روايتان تم منعهما دون أسباب مقنعة، ورغم ذلك أكاد أجزم بأن كل قارئ مهتم لديه نسخة أو أكثر من الروايتين.

يعمل الرقيب عادة، وهو في العادة موظف بسيط بشهادة بسيطة، على قراءة النص، ووضع أسطر حمراء تحت كل عبارة يرى أنها خارج ذائقته. ويرى في المنع قاعدة عامة ترفع عنه هموم المساءلة، على العكس من الإجازة، والتي ربما تدخله في عقاب إداري هو في غنى عنه. لكن الرقيب والوزير يعلمان تماما أن مطاردة هذه الكلمات في الكتب ليست سوى نوع من العبث، فلم تعد الرقابة مجدية، إلا في حالة قطع الإنترنت، ومنع أجهزة الآيفون، ومنع النتفلكس، وتعطيل محركات البحث. من الغباء أن نعادي الورق والفضاء من حولنا يمد لنا لسانه ويضحك.