تفصلنا تسعة أشهر عن الانتخابات البرلمانية الأوروبية، وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجدد دعوته إلى اتحاد أوروبي أكثر تكاملاً في مواجهة موجة القومية العالمية، فبعدما استُقبل استقبال المنقذ للاتحاد الأوروبي حين انتُخب السنة الماضية، رأى القائد الفرنسي خططه الطموحة تتبدد مع اختلاف مصالح الدول الأعضاء الثماني والعشرين، فضلاً عن تحديات مثل خروج بريطانيا والمعمعة المتواصلة بشأن الهجرة في هذه الكتلة.

في خطاب ألقاه ماكرون أمام السفراء في باريس، دعم عدداً من مشاريعه المميزة، مثل الموازنة الواحدة لمنطقة اليورو، والقوات الدفاعية الأوروبية، والضرائب على عمالقة عالم التكنولوجيا، والسياسة الموحدة بشأن الهجرة، لكن بعض أفكاره الرئيسة اصطدم بالحركات الشعبوية الجديدة في أوروبا الشرقية وإيطاليا، علماً أن أحزاب اليمين والأحزاب الشعبوية الناشئة تزداد بروزاً في دول كثيرة في المنطقة.

Ad

يذكر مستشارون في قصر الإيليزيه: «تبدّل العالم كثيراً (منذ العام الماضي) مع نهوض القومية وأزمة تعدد القوميات، ويجب أن نعمل بدأب أكبر بغية التكيّف مع هذه التطورات».

يتخبط ماكرون وسط فضيحة محلية مسيئة بسبب أحد مساعديه البارزين، مما ألهاه عن سعيه إلى الإصلاح الدستوري، أما على الصعيد الدولي فما زال القائد الفرنسي، الذي يثني عليه مؤيديوه بسبب مقاربته الجديدة، ينتظر أن يحصد الكثير من المكافآت من صداقته المزعومة مع ترامب، لكن هذه المقاربة لم توقف الحرب التجارية الناشئة عبر الأطلسي، كذلك يواصل ترامب سعيه إلى تخريب صفقة بالغة الأهمية تحد من برنامج إيران النووي وينتقد بشدة الأمم الأوروبية بسبب إنفاقها في حلف شمال الأطلسي.

وتوضح كلير ديميسماي، محللة في معهد السياسة الخارحية الألماني: «نعيش اليوم مرحلة تفاوض بشأن شتى العمليات، مثل موازنة منطقة اليورو، لا قفزة كبيرة نحو الأمام».

«لا يمكنه القيادة وحيداً»

في أوروبا دفعت مسألة الهجرة دولاً مثل هنغاريا وبولندا واليوم إيطاليا إلى السعي وراء سياسات مناهضة للوحدة الأوروبية والهجرة، إذ تُعتبر الهجرة مسألة بالغة الأهمية في إيطاليا، حيث وصل مئات الآلاف منذ عام 2013، هاربين من الحرب والاضطهاد والفقر في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا.

تنص قواعد الاتحاد الأوروبي على ضرورة أن يطلب الإنسان اللجوء في البلد الذي يصل إليه أولاً، إلا أن روما تمنع بشكل متزايد القوارب من الرسو في مرافئها، مرغمةً بالتالي أمماً أخرى على استقبال بعض من تقلهم.

بالإضافة إلى ذلك، أعلن نائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو أن بلده يستعد لخفض مساهماته في الاتحاد الأوروبي بسبب هذه المسألة، وبما أن أزمة سياسية أضعفت أيضاً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تبحث باريس اليوم عن «محور تقدمي» من الحلفاء.

يوضح مانويل لافون-رابنويل من مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي: «عندما انتُخب ماكرون، اعتقد الجميع أن موجة الشعبوية ستنحسر، وأنه سينجح في تشكيل مع ميركل شراكة مذهلة لا يمكن لأي مسألة أن تعوقها»، وفي سعيه إلى حشد دعم أكبر انطلق ماكرون في جولة أوروبية مصغّرة مع زيارة إلى الدنمارك وفنلندا تدوم ثلاثة أيام.

توقع فرانسوا هيسبورغ، رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن تخوض الكتلة «تسوياتها الكبرى» نحو نهاية عام 2019، وشدد على أهمية أن يقيم ماكرون حواراً مع روما، يقول: «يُعتبر ماكرون القائد الوحيد في أوروبا اليوم، فلا تملك أنجيلا ميركل هامش تحرك كبيراً، إلا أن أوروبا لا تستطيع المضي قدماً ما لم تتعاون فرنسا وألمانيا معاً، لذلك لا يمكن أن يبقى ماكرون القائد الوحيد».