وكأن الشغل الشاغل بالنسبة للرئيس الأميركي أصبح ينحصر في مواجهة القضية الفلسطينية والإساءة للشعب الفلسطيني. فبعد إيقاف دعم الولايات المتحدة للسلطة الوطنية، وعقب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وبعد "صفقة القرن"، التي بدأت تجلياتها تظهر في غزة تحت عنوان "التهدئة"، ها هو دونالد ترامب يواصل ما بدأه، ويعلن أنه سيلغي "حق العودة" بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، الذين حصر عددهم بنصف مليون فقط، مع أن الأرقام المؤكدة تشير إلى أنهم تجاوزوا الأربعة ملايين.

وبالطبع، فإنه من المفترض أن ترامب، الذي أقحم نفسه وأقحم إدارته - التي كما يُقال إن غالبيتها، إن لم يكن كلها، من الإنجيليين الصهاينة - في هذه القضايا العويصة، يعرف أن قرار إلغاء حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين ليس قراراً أميركياً، إنما دولي، فالأمم المتحدة هي صاحبة هذا الشأن، وهي صاحبة هذا القرار.

Ad

والمعروف أن هناك دولاً في مجلس الأمن الدولي وبالجمعية العمومية لديها حق النقض (الفيتو)، وبإمكانها أن تحبط أي مسعى أميركي بهذا الخصوص، من بينها روسيا والصين، وأيضاً فرنسا وبريطانيا. وهناك تجارب كثيرة بهذا الخصوص، وبالتالي فإنه ليس بإمكان الرئيس الأميركي أن يفعل ما يشاء في هذا المجال.

ربما من حق ترامب، كرئيس للدولة المانحة، أن يوقف دعم دولته للفلسطينيين، في محاولة لابتزازهم وفرض ما يريده عليهم، مع أن إساءة هذا لأميركا ستكون أكثر من إساءته لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية، لكن ليس من حقه أن يحاول مصادرة قرار بكل هذا الحجم وبأبعاده السياسية الخطيرة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن الدولي، الذي يضم دولاً رئيسة، لا بل إنه يضم كل الدول الرئيسة الأخرى؛ الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، التي جميعها مؤيدة لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم فلسطين.

المعروف أن "الإنجيليين"، الذين أوصلوا ترامب إلى البيت الأبيض، يشكلون الوجه الآخر للعملة الصهيونية، التي بات رموزها يحكمون إسرائيل بمفاهيمهم البالية وبأساليب عنصرية، وعلى غرار حكم العنصريين البيض (الأبرتهايد) في جنوب إفريقيا، لكن مع ذلك، فمن المفترض أن رئيساً للولايات المتحدة، الدولة التي لها مصالح استراتيجية كثيرة في هذه المنطقة، لا يجوز أن يتصرف بعقلية العصابات، ولا بأساليب الزمر المتطرفة، بل بعقلية رئيس القوة الأعظم، وعلى أساس ما يسمى "المستبد العادل".

سيحاول ترامب - الذي افتعل مشكلة كبرى مع تركيا، العضو الرئيس في حلف شمال الأطلسي، التي يشكِّل جيشها الجيش الأكبر الثاني بعد جيش الولايات المتحدة، بسبب رجل دين "إنجيلي" مثله - الضغط، وبكل الوسائل، على دول حق النقض (الفيتو) الأخرى في مجلس الأمن لتمرير قرار بإلغاء حق العودة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، لكن الواضح، لا بل المؤكد أنه لن يفلح في ذلك، وسيخوض معركة خاسرة ستترتب عليها أمور كثيرة، من بينها أنه قد يعرِّض مصالح بلده، الولايات المتحدة، في هذه المنطقة الملتهبة، لا بل في العالم بأسره، إلى أخطار فعلية، وهذا ما لا نتمناه ولا نريده بالنسبة لدولة يعتبرها العرب والفلسطينيون دولة صديقة.