بلغت الجهود الأميركية لضمان نزع سلاح كوريا الشمالية النووي حالة غموض متزعزعة منذ قمة سنغافورة بين ترامب والقائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون في شهر يونيو، وفي المقابل تشهد العلاقات بين الكوريتين خطوات صغيرة إنما منتظمة نحو الأمام، فقد التقى كيم ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن مرتين هذه السنة، كذلك أعلن البيت الأزرق الكوري الجنوبي أن العمل جارٍ على لقاء ثالث.

لا شك أن كيم سيخصص دوماً الوقت لجلسات التقاط الصور، بيد أن هذه اللقاءات تبدو عموماً مسائل عملية جدية، ومع أنها قد لا تحقق إنجازات مذهلة، لكنها تسير قدماً نحو عملية إذابة للجليد بطيئة ومترددة، وبالتالي واقعية قد تساهم على الأرجح في تفادي فظائع حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية.

Ad

لذلك من أبرز مسؤوليات الولايات المتحدة اليوم عدم عرقلة هذا المسار، ومن المؤكد أن إدارة ترامب سترغب في أن تقحم نفسها دوماً وبشكل واضح،و أن تتدخل بقوة بغية تبديد أي تعقيدات، وأن تنسب الفضل لنفسها في أي نجاحات تُنجز، ولكن من الأكثر حكمةً أن ندع كوريا تصلح كوريا.

لا أحد يُنكر أن كوريا الشمالية تمثل مشكلةً، إذ تُعتبر الأسلحة النووية مصدر قلق كبيراً بين يديّ دولة حسنة النوايا، فكم بالأحرى بين القبضتين المضطربتين لحاكم مستبد مهووس بالسلطة بنت سلالته الدولة السجن الأكثر بؤساً في العالم؟ لكن نشوء هذه المشكلة لا يعني أن واشنطن أفضل مَن يستطيع حلها. يبقى المرشح الأوفر حظاً، مرشح بدأ الغوص في العملية المعقدة التي تتطلبها مهمة مماثلة، كوريا الجنوبية.

صحيح أن الولايات المتحدة ساهمت في تحويل كوريا إلى ما هي عليه اليوم، إلا أن هذا الرابط التاريخي بحد ذاته لا يجعلنا مؤهلين لتقديم الحل.

في هذه الحالة تكون كوريا الجنوبية المصلح المناسب لهذه المهمة، فهي تتمتع بقرب ثقافي من بيونغ يانغ تعجز واشنطن عن محاكاته مهما حاولت، ومع أن الولايات المتحدة تستطيع تأمين ردع تقليدي ضد السيناريو المستبعد، الذي قد تشن فيه كوريا الشمالية اعتداء بدون أي استفزاز، لا نقدر أن نضاهي الأفضلية التي تحظى بها كوريا الجنوبية على طاولة المفاوضات.

علاوة على ذلك تملك كوريا الجنوبية استثماراً في هذه المشكلة لا تشاطرها فيه الولايات المتحدة. ربما حققت كوريا الشمالية تقدماً أخيراً في تكنولوجيا الصواريخ البالستية، ولكن ما من عالم قد يشكّل فيه نظام كيم خطراً وجودياً يهدد الولايات المتحدة، إلا أن كوريا الجنوبية لا تنعم بالأمن ذاته: تقع منطقة سيئول الكبرى التي تضم 25 مليون نسمة على بعد 56 كيلومتراً فقط عن المنطقة المنزوعة السلاح التي تفصل البلدين، مما يعني أن الحرب التي يعتقد فيها كيم أنه ما عاد يملك ما يخسره قد تؤدي إلى مجزرة يعجز عنها الوصف في الجنوب.

إذاً، في حين يستطيع ترامب في يومٍ التفاخر بفرح بمهاراته في عقد الصفقات مع كيم ليصغي في اليوم التالي إلى نصائح صقور إدارته السيئة، لا خيار أمام مون سوى اتباع مقاربة واعية وصبورة. ربما تغفل واشنطن عن وحشية هذه الحرب التي يمكن تفاديها، إنما سيئول تدركها جيداً. قد لا يسير مون وفق ما نأمله، ولكن لا يمكن إقناعه بخوض حرب غير ضرورية ما إن يتحدث كيم بلهجة قاسية رافضاً التعاون.

لا شك أن ترامب يستحق التقدير على ما فعله عندما فتح قنوات التواصل مع كيم وجعل الحرب مع كوريا الشمالية أقل احتمالاً، ولكن آن الأوان اليوم لنتراجع، ولندع كوريا تكمل من هنا.

*«بوني كريستيان»