ينشر سلاح الجو الفرنسي منذ 27 يوليو ثلاث طائرات حربية من نوع (رافايل ب)، ناقلة جند من طراز (A400M)، وطائرة لإعادة التزود بالوقود من نوع (C135) في الإقليم الشمالي الأسترالي.

تشكّل عملية النشر هذه جزءاً من تدريب "بيتش بلاك" السنوي المتعدد الأطراف، الذي وصفه المضيف الأسترالي بـ"الخطوة الضرورية لضمان بقاء سلاح الجو مستعداً للاستجابة حينما تطلب منه الحكومة الأسترالية ذلك".

Ad

يأتي استعراض القوة الجوية هذا بعد عمليات نشر معتادة قامت بها البحرية الفرنسية في بحر الصين الجنوبي، فمن الضروري أن نرى قرار فرنسا نشر أسطول عسكري بانتظام في بحر الصين الجنوبي على حقيقته: تدريب يوجه رسائل عدة.

الرسالة الأولى موجهة إلى الصين، ويمكن اختصارها بعبارة واحدة "التصدي للترهيب".

في ظل استخدام الصين القوة العسكرية لفرض واقع قائم في بحر الصين الجنوبي، يرى الفرنسيون أن من الضروري التأكيد لبكين أن الجيش الفرنسي سيعمل في المساحة المتاحة له بموجب القانون الدولي من دون أي تدخل من الصين.

الإشارة الثانية موجهة إلى المجتمع الدولي وترتبط بالدعم الفرنسي للنظام البحري القائم على القانون الدولي، فعلى غرار البحرية الأميركية، للبحرية الفرنسية ثقافة مؤسساتية تدعم تفسيرها لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وخصوصاً نقطتيها المثيرتين للجدل: ما المسموح خلال المرور السلمي؟ وحق الاحتفاظ بوجود بحرية في كل المناطق الاقتصادية الخالصة.

تستهدف السلسلة الثالثة من الرسائل كبار شركاء فرنسا في أوروبا، وخصوصاً بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ويشكّل تطبيق معاهدة "لانكستر هاوس" لعام 2010 بين المملكة المتحدة وفرنسا وبناء قوة حملات مشتركة بين البلدين أساس العلاقات الفرنسية مع بريطانيا، الذي يكتسب أهمية خاصة في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

تشمل نوايا فرنسا بشأن الاتحاد الأوروبي تشكيل ائتلاف في أوروبا يدعم سياسة خارجية وأمنية مشتركة تأخذ القوة العسكرية على محمل الجد وتعمل على صعيد عالمي بدل التركيز على المحيط الأوروبي. أما الرسالة الرابعة، فتأخذ تدريجياً شكلها الحالي في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون: تأييد واضح لمصطلح "منطقة المحيط الهادئ الهندية الحرة والمفتوحة"، علماً أن هذا المفهوم صيغ للتخفيف من الخصومة الأميركية-الصينية وضم الهند إلى ائتلاف الدول المستعدة لاحتواء نفوذ الصين المتنامي.

يتمتع هذا المصطلح بجاذب قوي في الأوساط الاستراتيجة الفرنسية لأنه يمنح شرعية إضافية لنفوذ أمني عالمي لفرنسا ويشدد على نظام يقوم على القواعد والأعراف العالمية.

لطالما اعتبرت فرنسا إدارة الكلفة في إطار علاقاتها مع الصين خطوة مهمة، وبينما شمل تفضيل ألمانيا المحادثات الصريحة وراء الأبواب الموصدة بحر الصين الجنوبي، أقدمت فرنسا على مخاطرة أكبر باختيارها مناورة أكثر علانية.

رغم ذلك، يظل تأثير موقف فرنسا هذا محدوداً في العلاقات بين بكين وباريس، فقد أدار كلا الطرفين هذه المسألة بحذر كي يحولا دون انعكاس خلافهما الأساسي بشأن بحر الصين الجنوبي على مجالات أخرى من علاقتهما الثنائية.

تشدد فرنسا من جهتها على التمييز بين العبور غير العدائي (وهو مصطلح تفضله البحرية الفرنسية) وعمليات حرية الإبحار الأميركية، التي تشمل التنقل على بعد 12 ميلاً بحرياً حول بعض المنشآت الاصطناعية الصينية في جزيرة سبراتلي بغية التأكيد أن تلك المياه لا تُصنَّف مياهاً إقليمية. أما بكين، فتمتنع من جهتها عن انتقاد العمليات الفرنسية علانية، مع أنها كانت تستطيع القيام بالعكس، وينطبق هذا خصوصاً على الوضع القائم اليوم، فيما تتعرض الصين للضغط من إدارة ترامب على محاور عدة.

عندما نتطلع إلى المستقبل، ينبغي ألا نفاجأ إذا عمدت البحرية الفرنسية إلى تعزيز وجودها في بحر الصين الجنوبي، ويبدو راهناً أن الجميع، حتى بكين، يتفهمون التزام فرنسا الجدي والمطوّل بنظام بحري قائم على قواعد. صحيح أننا لا نملك أدلة كثيرة على أن عمليات النشر هذه قد تبدّل جذرياً حسابات الصين بشأن بحر الصين الجنوبي، لكن هذا لا يُعتبر النقطة الأساسية. يبقى الأهم أن تدريب الإشارات هذا يترافق مع خطوات أخرى هدفها دعم نظام أمني بحري يقوم على قواعد وأعراف مشتركة.

* «ماثيو دوشاتل»