يتوجه بعض الكتّاب أو المغردين في وطننا العربي برسائل إلى الحكام ينبهونهم إلى تفشي الفساد ويطلبون تدخلهم السريع للقضاء عليه قبل أن يقضي على البلاد والعباد، ورغم النوايا الطيبة لهؤلاء الكتّاب فإنها دليل سذاجة أيضا، فلا يوجد حاكم عربي لا يعرف بتفشي الفساد وبعضهم يشجعه.

إن الفساد أصبح ظاهرة كونية عناصره حكام ونواب وهيئات مراقبة وقضاة ورجال أعمال وكتّاب وكثير من المرتزقة والمطبلين والمبررين والمدافعين بجهل أو للتكسب، ونسمع في كل يوم عن حوادث لأفراد أو حكومات تسببت فيها عناصر الفساد، وأدت إلى محاكمات أو كوارث في كثير من بلدان العالم.

Ad

وعادة نسمع عن هذا عند الإمساك بفاسد ومحاكمته، أي أن الفساد عند غيرنا غير مقبول ويدان مرتكبه إن قبض عليه بالجرم المشهود، وفي دولة مثل الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تكون شطارة الفاسد في عدم ترك دليل يدينه، ومتى أمسك عليه دليل فإن القانون يكون له بالمرصاد، ويتم فضحه في وسائل الإعلام، لكن ما يحدث في بلادنا العربية ودول العالم الثالث أسوأ من ذلك، فالفاسد والمفسد لا يحاكمان ولا يدانان ولو اجتمع العالم شهودا على تجاوزهما، بل إن شجاعة الفاسد قد تمنحه فرصا أخرى للاستفادة من خبرته وشجاعته فيصبح مسؤولا عن تمرير المعاملات المشبوهة أو شريكا في مشروعات ومناقصات، ويكون عليه استعمال وسائله وقنواته للاستفادة وإفادة الشركاء أو المسؤولين، ففي بلادنا العربية يكرم الفاسد وتبارك له مكانته الفاسدة، ونادرا ما نسمع عن فاسد دخل السجن أو صودرت ممتلكاته التي حصل عليها بالزور والرشوة.

إن منظومة الفساد تمتد وتتوسع وتعم كل مناحي الحياة، فبعض الحكام وبعض بطانتهم وأبناء عمومتهم والمنافقين والمتسترين على السرقات والتخريب أصبحوا من أصحاب الملايين دون جهد أو مخاطرة أو تقديم ما يفيد في خدمة أوطانهم، وبعض الحكام العرب يسكت العالم الرأسمالي عن تجاوزاتهم بل يساعدهم في نهب أوطانهم ما دامت مشتريات الدولة تجيّر لهم، وتستفيد منها شركاتهم وأعمالهم.

ونحن نمر الآن في أسوأ مراحل الفساد، حيث تدار بعض بلدان العرب من الخارج، فيقف أمامنا رئيس دولة ليقول: زيدوا إنتاج النفط، فنزيد، ويقول شكلوا: "ناتو عربي"، فنقول: أهلا وسهلاً، "ناتو" ليس لتحرير فلسطين أو وقف أعمال التخريب والتقسيم لوطننا العربي إنما لإعدام فلسطين والتسليم بالكيان الصهيوني وخيانة الأمة العربية، وكأننا صرنا أمة مسخاً لا قيمة لها ولا أخلاق ولا ذمة، فهل اختفى الحاكم العربي الذي يقف ليقول: لا، وينحاز لأمته، ويرفض كل ألاعيب الأميركيين وغيرهم من طالبي فنائنا؟

سكوت الدول الغربية وغيرها عما يحدث هنا في وطننا العربي من مهازل واستهتار بقيم الشعوب وثرواتها وتفشي الفساد الرسمي يجب أن ينظر إليه على أنه انتظار لفناء هذه الأمة، فالكبار سيربحون الملايين من خيانة أوطانهم، وسيتركون الشعوب تتصارع حتى تقضي على بعضها، في حين يجول بعض الحكام العالم يستمتعون بما سرقوه.

منظومة الفساد أصبح لها أسس وقيادة وتنظيم وقنوات ومفكرون وأتباع وحماية، والشعب العربي يعرف هؤلاء المفسدين واحداً واحداً، وخصوصاً من يتولون الفساد ويديرونه وهم في السلطة، وعرفوا الأساليب وكيف حاولوا وما زالوا يحاولون إغراق الأوطان بالفساد؛ كي يرى الجميع أنفسهم مشاركين أو يحيط بهم الإحباط فيمتنعون حتى عن التذمر، بل إن بعض الحكام استخدم الدين في إيهام الناس أنهم متدينون ويخافون الله بكثرة المساجد التي تتردد دعوات أئمتها لهؤلاء الحكام الطيبين الطاهرين، ولنردد خلفهم "آمين"، ليستمروا في قهرنا وسرقة أوطاننا.

في كل منطقة من عالمنا العربي خلقوا "بعبعاً" لإخافة الناس من التغيير أو حتى التفكير فيه، فمنظومة الفساد ليست معنية بسرقة هنا أو هناك، فلكل بلد هناك من يتربص به من الداخل والخارج لتظل الشعوب حبيسة أنظمتها الفاسدة خوفا من المجهول الذي تحركه دول وأجهزة مخابرات دولية لضمان استمرار هؤلاء الحكام، بل إن الأمثلة التي صنعوها في بعض البلاد العربية أرادوا بها قطع أي تفكير بالتغيير، فمن يريد لبلده الخراب مثل سورية والعراق وليبيا واليمن؟

والمنظومة تريد إقناعنا الآن أن أي شيء من هذا لن يحدث لو تحالفنا مع الكيان الصهيوني، وسلمناه أنفسنا لتفعل ما تريد، فهل وصلنا إلى الدرك الأسفل لهذا الحد؟ وحين سمعت أحد وزراء مجلس التعاون وهو يشيد بإسرائيل وحق اليهود في فلسطين قلت "لا حول ولا قوة إلا بالله"، إلى هذا الحد وصل الاستهتار بالأمة؟

لذلك لا بد من مواجهة هذه المحنة بكل الوسائل الممكنة دون الانزلاق في درب من ينتظر تخريب البلاد، والسكوت جريمة وغياب التنسيق الشعبي العربي في مواجهة هذا الانحطاط لا بد منه، نعلم ما يريدون وكيف يعملون، وماذا يتأملون، ويمكننا أن نحبط كل هذه المؤامرات ونقضي على الجشع الذي استولى على بعض حكامنا، وفضح كل أعمال الفساد وبكل وسيلة.

لا بد من تفعيل الدساتير والقانون واستخدام الأدوات الممكنة كافة لتصحيح هذه الأوضاع، وليعلم العالم أننا أمة لا تقبل هذه المهانة وترفض أن تكون تابعة لأي كان.