عندما تعلن إيران، وهي في وضع داخلي يرثى له، أنها لن تنسحب من سورية، بناءً على طلب دولة أخرى، فإنها بالتأكيد لا تقصد إسرائيل، وإنما روسيا التي تعتبر نفسها، وهي كذلك، الوصي الوحيد على بشار الأسد ونظامه، وأنه لولاها ما بقي هذا النظام ولا رئيسه، ولكان هناك وضع غير هذا الوضع البائس، الذي يتوقف بقاؤه واستمراره على معادلة إقليمية ودولية قابلة للانهيار في أي لحظة. وسواء بقي الإيرانيون أو رحلوا عن هذا البلد العربي الذي رُفِع فوقه شعار "أمة عربية واحدة"، وها هو ينتهي إلى هذه النهاية المأساوية، والذي إن هو بقي يسير في هذا الاتجاه الذي يسير فيه فإنّ ما لا نتمناه أنه لن يبقى دولة واحدة.

وبالطبع فإن إيران، التي تخشى من أن تخرج من "المولد بلا حمص"، كما يقال، وأنها إن هي خرجت من سورية، بينما هي أيضاً تمر بأزمة داخلية وخارجية قاتلة، فإنها ستخسر نفوذها في هذه المنطقة كلها، وستخرج مهزومة هزيمة نكراء من العراق واليمن وقطاع غزة، وبالطبع من لبنان، وأيضاً من بعض إقليم كردستان العراقي، وهذا معناه نهاية تجربة اقترب عمرها من أربعين عاماً، كان من الممكن أن تكون أفضل كثيراً مما أصبحت عليه، وكان من الممكن أن تلبي طموحات الذين فرحوا بإزالة نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وظنوا أن هذا البلد سيصبح رديفاً للأمة العربية، وأنه لن يتجاوز "النظام البهلوي" في تطلعاته التمددية، وكما هو عليه الوضع الآن في هذه الظروف الصعبة وفي هذه المرحلة التاريخية الخطيرة.

Ad

الآن بدأت مصالح روسيا، التي حققت "انتداباً" على سورية كانت بحاجة إليه لتستعيد مكانة الاتحاد السوفياتي الذي بقي عملياً منتدباً على هذا البلد العربي منذ عام 1949، وحتى انهياره في مطلع تسعينيات القرن الماضي، تتضارب مع مصالح إيران، فالروس بحكم عوامل كثيرة يرون، وهذا صحيح كل الصحة، أن بقاءهم في سورية كدولة "مُنتدبة" أو منتدِبة نفسها يحتاج إلى موافقة إسرائيل قبل موافقة نظام بشار الأسد وقبل موافقة إيران، والواضح أن هناك اتفاقات سرية، وأن الإسرائيليين قد قبضوا الثمن الذي يريدونه، وأن حدود عام 1974 في هضبة الجولان لم تعد مؤقتة وإنما أبدية!

ربما في مصلحة الروس ألا ينهار التحالف بينهم وبين الإيرانيين، لكن عندما يصبح خيارهم بين إيران وإسرائيل فإن المؤكد، وهذا هو ما يحصل الآن، أنهم سيختارون إسرائيل لأنها وبعد كل هذه الانهيارات التي تشهدها العديد من دول المنطقة باتت، شئنا أم أبينا، الرقم الرئيسي في هذه المعادلة الشرق أوسطية الجديدة، ولأنها أيضاً هي الوحيدة القادرة على "ترويض" الرئيس دونالد ترامب والولايات المتحدة.

وهكذا فإن على إيران ألا تواصل السباحة ضد التيار، وأن تدرك أن مشروعها التمددي في هذه المنطقة فشل، وستنسحب ليس من سورية فقط بل أيضاً من العراق واليمن ولبنان وغزة، فدولة أصبحت "عاجزة" مالياً، وأوضاعها الداخلية متهاوية، على هذا النحو، لن تكون قادرة على الاحتفاظ بتوسعها على حساب دول مجاورة ومتاخمة لدول جميعها عربية، ويقيناً إن هذا كله سيكون امتحاناً قاسياً لطهران... وأن الدوائر ستدور في نهاية الأمر، التي يبدو أنها غدت قريبة، على كل ما ترتب على ثورة فبراير 1979.