مادام الشيء بالشيء يُذكر، فلا تستغربوا عنوان المقال!

• فبمبادرة إنسانية أخلاقية من الكويت، للتضامن مع معاناة أهل البصرة، اتخذت قيادة الكويت قراراً، بإرسال مجموعة من السيارات الكبيرة محمَّلة بما تحتاجه المدينة الجارة من الكهرباء والماء. لكن البيروقراطية في مركز الحدود العراقية – صفوان – حالت دون إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، بحجة أنه لابد من دفع ضريبة الجمارك للبضائع التي تدخل الحدود العراقية، ما أثار الاستغراب والكثير من التساؤلات حول هذا التصرف الغريب واللامسؤول!

Ad

• ولست أريد الاسترسال في هذا الموضوع، فقد أُشبع نقاشاً بوسائل الإعلام العربية والعالمية...

لكنه عاد بي إلى سنوات الستينيات، حينما أعلن الرئيس جمال عبدالناصر– عقب نكسة 67 – (أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة)، والقوة كانت تقتضي أن يساهم الشعب بكل ما لديه من إمكانيات لمساعدة الجيش، كي يتمكن من بناء نفسه لمواجهة المعركة القادمة!

***

• كانت حالة الاستنفار في كل أجهزة الإعلام، للاستجابة لنداء الرئيس المصري، حيث تبرَّع كبار الفنانين بمجهوداتهم المجانية لجمع التبرعات، وقامت أم كلثوم بجولات عربية وعالمية للغناء في سبيل جمع هذه التبرعات، وغنَّى عبدالوهاب (زود جيش أوطانك، واتبرع لسلاحو، على شاني وعلى شانك، بيضحي بأرواحو)، كما نشط عبدالحليم حافظ بالأغاني الوطنية التي تصبُّ في هذا الاتجاه.

***

• وكنت في القاهرة، وكان أثمن ما أمتلكه سيارتي – الموستانج– فقررت أن أتبرَّع بها للجيش المصري...

وبعد إجراءات معقدة لإتمام هذا التبرع حُدد لي موعد مع سيادة اللواء صلاح أبوعوف، المسؤول عن حملة التبرعات للجيش، التقيته في المعسكر، فشكرني على هذه الروح الوطنية، وقال لي:

بما أن سيارتك تحمل رقم جمرك الإسكندرية، ولا تحمل أرقاماً مصرية، فمعنى ذلك أن السيارة في إقامة أجنبية إلى أن يُدفع لها جمرك فتصبح خاضعة للقانون المصري!

فقلت له: والحل؟... فقال: أن تخرج بها من الإسكندرية إلى بيروت، ثم تعود بها ثانيةً إلى مصر وتدفع لها جمركاً، حتى يكون تبرعك بها للجيش المصري قانونياً.

***

• عُدت بعد هذا اللقاء حزيناً صاباً جام غضبي على البيروقراطية، وكيف أنها تشكِّل عائقاً كبيراً أمام الحياة في عالمنا العربي!

فإذا بالفنان حسين فهمي – وقد كان مدرِّساً لي في معهد السينما – يقترح أن أبيعه السيارة، ويقوم هو بدفع جمركها، ثم أقوم أنا بالتبرع بالمبلغ الذي سيدفعه ثمناً للسيارة... بالطبع كان لابد من خسارة في هذا العرض، حيث كان سعر السيارة أربعة آلاف جنيه، بينما تم بيعها بـ 1500 جنيه تم التبرع بها للحملة الوطنية!

***

• أما آخر ما تناقلته الأخبار عن تبرع الكويت لجارتها البصرة: أنه تم الإفراج عن السيارات، لكن لم تذهب لأصحابها الحقيقيين، إنما ذهبت إلى بغداد، وتحديداً المنطقة الخضراء!

• وهكذا، اجتمعت البيروقراطية بالفساد على حساب شعب البصرة، ودون إحساس القيادة في بغداد بمعاناة أهل البصرة التي جعلت من الكويت تقوم بواجبها بتقديم المساعدة لها!