أخيراً أصبح عمران خان رئيساً للوزراء في باكستان بعد أن فاز حزبه بأكبر عدد من مقاعد البرلمان في ذلك البلد في الانتخابات الأخيرة، ومن المقرر أن يبدأ خان وهو أسطورة الكريكت السابق والمحسن الكبير مشاوراته لتشكيل حكومة جديدة، وربما يتمكن من حكم اثنين من أقاليم باكستان الأربعة، مما يجعله الشخصية المدنية الأقوى في البلاد طوال عقود عديدة، وكان خصومه يصفونه بالرجل الساذج الذي يفتقر الى الخبرة والذي يسعى الى استدامة شهرته فقط، وعلى أي حال يظل خان مصمما على تحقيق حلمة، وقد أخبرني قبل عدة سنوات أنه «سيواصل اللعب حتى النهاية».

وكان عمران خان اكتسب محبة الشعب الباكستاني عندما قاد في سنة 1992 فريق الكريكت الوطني الى الفوز في مباريات كأس العالم، وفي بلد تتمتع لعبة الكريكت فيه بتقدير رفيع فقد اعتبر فريق الكريكت استعارة للحكومة: مملوء بطاقة يندر أن تتحقق لكنه مهزوم نتيجة ضعف القيادة والجشع الرهيب، وبعد مباريات كأس العالم وتقاعد خان سرت اتهامات عن عمليات رشوة في المباريات، وتم تخفيض أبطال الرياضة الى وضعية رجال السياسة الجشعين، واستعاد مشجعو خان أيام مجد قيادته لفريق الكريكت وهم يأملون الآن أن يفعل الشيء ذاته للبلاد.

Ad

ولكن قيادة دولة لا تشبه طبعاً قيادة فريق رياضي، كما أن باكستان دولة يصعب حكمها، وقد ابتليت بانقسامات ونزاعات داخلية عديدة، بعضها قد يصبح أسوأ بعد الانتخابات الأخيرة، وخلال الحملات الانتخابية قال حزب رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي يقبع وراء القضبان الآن بتهم تتعلق بالفساد، إن الحزب حرم من فرصة التنافس الشريف. وازدادت التقارير التي تحدثت عن أن الجيش الذي يتمتع بنفوذ قوي عمد الى ترهيب ومضايقة وإكراه مرشحين من حزب شريف على تغيير ولائهم ومنعهم من الدعاية بحرية وحظر عليهم التغطية الإعلامية.

الانتخابات القذرة

وقال مشاهد حسين وهو سيناتور من حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه نواز شريف في مؤتمر صحافي «هذه لم تكن انتخابات، بل عملية اختيار، وكانت أكثر الانتخابات قذارة في تاريخ باكستان»، كما صدرت اتهامات مماثلة عن تزوير الانتخابات من جانب أحزاب سياسية أخرى بما فيها حزب الشعب الباكستاني ومراقبون مثل لجنة حقوق الإنسان في باكستان.

ويعتبر خان نفسه شخصية سياسية كلاسيكية تحارب الفساد وتشتمل خطاباته على الدعوة الى الأفكار الدينية والوطنية، ومثل غيره من الشعبيين طرح خان وعوداً عريضة لإيجاد حلول لمشاكل البلاد المتجذرة، وقال في أحد المهرجانات السياسية «سوف أضع حداً للفساد خلال 90 يوماً»، وهو يقدم نفسه على أنه البديل الوحيد الممكن في وجه النخبة السياسية الفاسدة، كما أن رسالة حزبه تقول «لقد جربتم الآخرين لماذا لا تعطونه فرصة هذه المرة؟».

دعم الشرائح الشعبية

وقد اجتذبت هذه الدعوة التي كانت مقبولة في الماضي من جانب الطبقات المتوسطة الحضرية شرائح واسعة من الناس بمن فيهم نجوم السينما والبوب والمتشددين الدينيين ورجال الأعمال الأثرياء والعمال المكافحين وأصحاب الأملاك والمزارعين، ولكن يسود شك في أوساط الكثيرين في أن يتمكن خان من توحيد هذا الائتلاف المتنوع من المؤيدين فيما يعمل على تنفيذ أجندته السياسية الطموحة، وتجنب الخوض في مسار ديماغوجي واضح كان تعرض له خلال حملاته الانتخابية بصورة أو بأخرى.

ويستنكر خان وصفه بأنه رجل الجيش المفضل، لكن حزبه على أي حال لم يفعل الكثير لعدم تشجيع هذا الانطباع، وقبيل الانتخابات العامة رحب حزب حركة إنصاف (حركة العدالة) الباكستاني بشخصيات عسكرية بارزة في الحكومات السابقة من أمثال عمر أيوب خان، وهو حفيد الحاكم العسكري السابق الجنرال أيوب خان، وخسرو بختيار الذي كان وزيراً في حكومة برويز مشرف، ولهذه الشخصيات تأثيرها الانتخابي لكنها في حاجة إلى حزب قوي من أجل نقل طموحاتها النيابية، وقال جاويد هاشمي وهو أحد الأعضاء السابقين في حزب خان إن الجيش كان يجري انشقاقات في أحزاب أخرى طوال سنوات خلت.

وفي السنوات القليلة الماضية، على أي حال، حدث تقارب بين خان والجيش وكانا يريدان إخراج نواز شريف من السلطة، ويعتبران حزبي الشعب والرابطة الإسلامية من مخلفات الفساد الذي يحول دون تقدم البلاد، ولكن توجد اختلافات رئيسة في هذا الصدد أيضاً. وفي الماضي كان خان ينتقد بشدة تدخل الجيش الباكستاني في الشؤون السياسية وتحالفه مع الولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب» والعمليات العسكرية التي كانت تجري على طول الحدود مع أفغانستان، وفي خطاب له في الأسبوع الماضي قال خان إنه يريد تحقيق سلام مع الهند وتحسين الآفاق التجارية معها، وفتح الحدود مع أفغانستان والتمتع بما وصفها «علاقات مفيدة متبادلة» مع الولايات المتحدة، وهذه كلها مبادرات تزعج الجيش الباكستاني.

تأثير الجيش

يريد خان تأكيد نفسه على أنه، كرئيس للوزراء، يمثل القائد الأكثر قوة في البلاد، وكان هذا الدور بشكل تقليدي يرجع الى قائد الجيش الذي كان، حتى في أوقات الحكم المدني، يمارس نفوذا من وراء الستار، والجيش الذي لم يعد يشعر بإغراء القيام بانقلابات عسكرية مباشرة قد ترك تسيير الأمور اليومية الى المدنيين فيما احتفظ بالجوانب الأكثر أهمية بالنسبة إليه والتي تتمثل بالسياسة الخارجية والدفاعية وعناصر الاقتصاد، ولن يتقبل الجيش التخلي عن تلك الامتيازات الى خان.

وفي غضون ذلك، يخشى نقاد خان من أن يمضي على طريق يجعله أحدث رجل قوي في العالم، وخلال الحملات الانتخابية شن هجمات على خصومه قائلاً إنهم كانوا يعملون وفقاً لأوامر أعداء باكستان، كما قارن المقترعين الذين دعموهم بالحمير، (وهو ما دفع البعض من مؤيديه الى ضرب أحد الحمير حتى الموت)، وقد هاجم مقالات صحافية اعتبرها معادية له، وتعرض أيضاً الى انتقادات بسبب دعمه لقانون التجديف الباكستاني المثير للجدل، والذي يجعل أي «اتهام أو دس أو غمز» ضد النبي محمد يستحق عقوبة الموت، ويقول النقاد إن خان الذي دعا في الماضي الى تعديل ذلك القانون بغية منع إساءة استخدامه قد غير موقفه في محاولة للتقرب من مجتمع جناح اليمين الديني.

ولكن خان ليس الشخص الفج والديماغوجي الذي يشير اليه البعض، فخلال تغطيتي له كصحافي سمعته يتحدث ضد عمليات الاختفاء القسري والحملات ضد حرية الصحافة والتعبير والإعدامات الارتجالية وغارات الطائرات المسيرة التي تقتل المدنيين الأبرياء واضطهاد الأقليات الدينية، و، وكانت حركة طالبان شنت حملة ضد عمال شلل الأطفال متهمة إياهم بالعمل على عقم الناس، وبخلاف دونالد ترامب كان خان محسناً ناجحاً وقام ببناء مركزين لعلاج مرض السرطان للفقراء مجاناً إضافة إلى جامعة على مقربة من مسقط رأسه.

التسامح مع الخصوم

في خطاب له خلال الأسبوع الماضي وعد خان بعدم القيام بعمليات انتقام سياسي من خصومه، وبدلاً من تقديم الأقليات على شكل كبش فداء– كما يفعل الديماغوجيون في أغلب الأحيان– قال خان إنه سيحمي حقوق تلك الأقليات، وإنه يريد توحيد البلاد وتقوية مؤسساتها، كما تعهد بتخليص باكستان من الفساد وعرض نفسه وحكومته الى المساءلة في المقام الأول، وتعليم أكثر من 25 مليون طفل خارج المدارس وبناء مستقبل للشباب.

وهذا مشروع ضخم تماماً يرفع التوقعات التي تواجه حتى أكثر الحكومات قدرة وفعالية، وقد لا يتمكن خان من تحقيق النجاح وربما يعمد لمواجهة هذا الفشل الى التوجه نحو طرق الرجال الأقوياء الذين سبقوه، وأشد الانتقادات التي تتوجه الى خان تتمحور حول أنه متهورٌ وغريب الأطوار، لكنه انطلق ببداية إيجابية لافتة، ويوجد سبب للأمل في أن يتمسك بهذا المسار.