هناك الآن بدايات تحرك جدي من قبل يهود إسرائيليين ضد قانون اعتبار أن اليهودية هي "قومية" الدولة الإسرائيلية، الذي وصفته زعيمة حزب "ميرتس" الإسرائيلي اليساري تمار زاندبرغ، بأنه "سيئ ومخزٍ ويجب إلغاؤه"، وجاء ذلك في حين تقدم هذا الحزب بدعوى إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، طالب فيها بإلغاء هذا القانون لأنه "عنصري". وحقيقة إن هناك رفضاً لما أقدم عليه بنيامين نتنياهو، الذي يصفه يهود كثر بأنه "لا يخجل من عنصريته الوقحة"، ويعتبرونه حوّل دولتهم إلى دولة عنصرية على شاكلة دولة "أبرتهايد" في إفريقيا الجنوبية.

والمزعج حقاً أنه بينما هناك موجة رفض لهذا القانون العنصري حتى في أوساط اليهود الإسرائيليين أنفسهم، وفي أوساط غربية كثيرة، في مقدمتها حزب العمال البريطاني، فإن العرب، إن ليس كلهم فمعظمهم، كعادتهم قد ثاروا ثورة خجولة في البدايات ثم ما لبثوا أن هدأوا وتناسوا هذه المسألة، التي لو دققوا فيها جيداً لوجدوا أنها أخطر ما واجهه الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية منذ أن أقيم هذا الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين عام 1948 وحتى الآن.

Ad

كان المفترض ألا يتم الاكتفاء، سواء من "الجامعة" العربية أو من الدول العربية، بإصدار بيانات "رفع العتب"، ثم بعد ذلك "عادت حليمة إلى عادتها القديمة" بتجاوز هذا الأمر الخطير، وكأن شيئاً لم يكن، وكل هذا في حين أن المفترض أن يكون هناك تحرك عربي منظم، سواء من الهيئات والدوائر الرسمية أو من الهيئات الشعبية والنقابات والأحزاب والإعلام العربي بكل قنواته ومؤسساته في اتجاه العالم كله بكل دوله ومنظماته وقواه السياسية والحزبية، لإظهار أن إسرائيل أصبحت دولة عنصرية، والبعض يقول "نازية"، وكوريث لنظام "أبرتهايد" في جنوب إفريقيا وفي ألمانيا الهتلرية.

هناك الآن وفي العالم بأسره، وحتى في الولايات المتحدة والدول الغربية كلها، وخاصة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، تعاطف متصاعد مع الشعب الفلسطيني وقضيته، بينما هناك من أقحم العرب وأشغلهم بكل هذه الصراعات المحتدمة في سورية والعراق واليمن وأيضا في لبنان وليبيا، لكن ومع ذلك فإن المفترض أن يتوجه جزء من الجهد العربي باتجاه قضية فلسطين، التي من المفترض أنها قضية العرب الرئيسية، لاسيما وقد أقدم بنيامين نتنياهو ومعه الكنيست الإسرائيلي على هذه الخطوة الخطيرة التي إذا كان لها أي جانب إيجابي فإنها أظهرت لكل صاحب موقف، وكل صاحب ضمير، أن إسرائيل ظهرت على حقيقتها كدولة عنصرية، مثلها مثل نظام "أبرتهايد" في جنوب إفريقيا.

إنها فرصة غدت سانحة يجب أن يستغلها العرب الذين مازالوا يعتبرون أن قضية فلسطين هي قضيتهم الرئيسية الأولى، التي لها الأولوية على كل همومهم ومشاكلهم وقضاياهم الأخرى الكثيرة والمعقدة، فالعالم الآن بات مستعداً للاستجابة لأي تحرك عربي جدي ضد هذه الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها بنيامين نتنياهو، بينما الفلسطينيون، ومعهم الأكثرية العربية، باتوا أكثر واقعية، وباتوا يعترفون بهذه الدولة الإسرائيلية على حدود عام 1948، مع مطالبتها بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.