أمس الخميس الموافق الثاني من أغسطس كانت ذكرى الغزو العراقي الأليم، وكانت الذكريات تمر على الخاطر مستلهمة العبر والعظات ومتوقفةً عند الدروس والحكم والعلامات، فنحن نحتاج للتذكر والتدبر في الأحداث الصعبة من حياتنا أكثر من توقفنا وتدبرنا في لحظات الفرح التي تنسينا الفرحة أن نتعلم منها أو نتعظ، ومن هنا يجب أن نتوقف كثيراً عند دروس الغزو العراقي الغاشم، ليس لنبكي على الأطلال إنما لنتعلم ونتدبر وننقل التجربة والدرس والعظة إلى الأجيال الحالية والأجيال القادمة التي لم تعش هذه اللحظة؛ ولكنها يجب أن تعلمها وتتعلم منها.

أمس كانت ذكرى الغزو العراقي وكانت جحافل التتار تزحف من بغداد إلى الكويت واضعة غشاوة الجهل والصلف والتكبر، عابرةً على جسور الدم والإخوة المقدسة، مدنسةً الروابط والعلاقات والتاريخ، متناسيةً الأخلاق والأعراف والقواعد الإنسانية التي تفرقنا عن باقي المخلوقات.

Ad

أمس كانت ذكرى التحدي والصمود الكويتي في وجه العدوان والغزو العراقي الغاشم، وكانت وحدة الكويت وشعبها خلف راية الأب العظيم جابر الأحمد أمير القلوب، الذي أبكت كلماته العالم أجمع، وجعلت وفود العالم تقف احتراماً وإجلالاً لكلماته العظيمة التي لخصت عشق الكويتيين لتراب هذا الوطن، ورفضهم التنازل عن شبر واحد من تراب هذه الأرض الطيبة الكريمة المقدسة.

أمس كانت ذكرى الغزو العراقي وليس الغزو الصدامي يا سيادة السفير، فصدام حسين لم يأتنا فرداً؛ إنما جاء بجحافله ومعداته وجيوشه، واضعاً السلاح في وجوهنا وفي صدورنا، طامعاً في خيراتنا وثرواتنا، مستبيحاً أعراضنا ودماءنا، فهل كان ليفعل ذلك وحده، إن التاريخ يا سيادة السفير قد يقبل ببعض الرتوش والتجميل على الأحداث والحقائق؛ لكنه يعود عاجلاً أو آجلاً ليمحو الزيف، ويكشف الحقائق المجردة التي لا تحتمل التزييف والتأويل، والحقيقة أنه كان غزواً عراقياً؛ ولم يكن غزواً صدامياً فقط، فصدام ما كان ليصل إلى هذا «التفرعن» لولا أن وجد مناصروه ومؤيده، الذين استخفهم فأطاعوه، وللأسف أغرق نفسه وأغرقوه وأغرقوا المنطقة كلها في مرحلة التبعية التي ما كنا نأملها وما كنا نريدها.

أمس كانت ذكرى الغزو العراقي يا سيادة السفير، وما زال في العراق وفي بعض العرب، من يتغنى بصدام العظيم، لأننا نحن العرب لا نقرأ وإذا قرأنا لا نفهم وإذا فهمنا لا نفعل، ولأننا نحن العرب، نعشق الطغاة، ونقدس الجبابرة، ونسير «كالعجول» في مواكب السفاحين، ولا أستثني من كلماتي بعض المثقفين المتشدقين بالطاغية صدام؛ بل أضعهم على رأس القائمة، فالجهلاء قد يكونون معذورين لتأييدهم طاغية لم يعلموا عنه الكثير، أما من يفترض بهم أن يكونوا عالمين مثقفين، فبتأييدهم وتغنيهم بالطاغية، يكونون كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.

أمس كانت ذكرى الغزو يا سيادة السفير، وها هي السنوات تمر لنجدك تطلب من الكويت المبادرة بتغيير المناهج ورفع مصطلح «الغزو العراقي»، ويا ليتك قد سكتّ، فلقد صمتّ دهراً ونطقت كفراً، فأنا وغيري الكثيرين كنا نحاول يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام التماس العذر، لمن شاركوا في هذا الغزو الغاشم، وأنهم كانوا تحت تأثير الطاغية والخوف من وحشيته؛ لكننا لم نجد لهم عذراً، وأنا وغيري الكثيرين حاولنا مراراً وتكراراً ألا ننبش الجرح حتى لا تشعر به الأجيال الحالية التي لم تشهد الغزو؛ لكنك أتيت وبتصريح واحد لتنبش الجروح، ولتعيد الآلام إلى الذاكرة، ولتعيد صورة الغزو إلى القلوب المكلومة على أبنائها وشهدائها وأسراها ومفقوديها، فيا ليتك سكتّ، وبادرت بالسكوت، بدل أن تطلب من الكويت المبادرة، كفى الكويت مبادرات، لقد بادرنا ومازلنا نبادر بالكثير تحت لواء أمير السلام وقائد الإنسانية الذي يسعى إلى السلام والإعمار في كل بقاع الأرض.

يا سيادة السفير إن حقائق التاريخ لا تتبدل أو تتغير مهما وضعنا عليها الرتوش، وللعلم فأنا لفترة ليست بالقليلة كنت أستبدل كلمة «الغزو العراقي»، بكلمة «الغزو الصدامي»؛ ولكن طلبك منا المبادرة جعلني وغيري الكثير نتوقف للتساؤل: ما مبادرة العراق لمحو آثار الغزو التي لا تنتهي، وجروح الغزو التي لا تموت؟! كان من الأفضل أن تلتزم الصمت، فالصمت أحياناً من ذهب يا صاحب السيادة.