أعلنت وزارة المالية، مطلع الأسبوع الجاري، تفاصيل الحساب الختامي للدولة للسنة المالیة المنتهیة في 31 مارس 2018، وفقا لما أفضى إليه بيان الإیرادات والمصروفات الفعلیة في الميزانية... وليس بالطبع خارجها.

ورغم مرور 4 سنوات على إطلاق إجراءات ما يعرف بـ»سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي»، عقب التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014، وقبلها العديد من مشاريع الإصلاح الاقتصادي مختلفة العناوين منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإن النتائج الفعلية على الموازنة العامة للدولة لا تكاد تذكر، ومعظمها منحرف عن أهداف البرامج المعلنة للإصلاح الاقتصادي، خصوصا فيما يتعلق بضآلة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات، والبالغة 10.7 في المئة، وهي التي تقيس جانبا مهما من قدرة الدولة على إدارة الاقتصاد وتمويل المالية العامة، بما يجنبها تقلبات أو انكماش سوق النفط، إلى جانب تركز 73 في المئة من إجمالي المصروفات على المرتبات وما في حكمها، والدعوم، وهو ما يكشف عجز الدولة ليس المالي فقط وإنما قدرتها على خلق فرص العمل خارج إطار القطاع العام وفقا لاحتياجات السوق.

Ad

خلط الدعوم

الميزانية العامة للدولة، وما يترتب عليها من الحساب الختامي، لا تزال تخلط بين تكاليف الدعوم التي تتحملها الدولة سنويا، إن كانت لمصلحة شبكة الأمان الاجتماعي أو غيرها، الموجهة إلى دعم الأنشطة التجارية والصناعية، وما يترتب على ذلك من خلط في أساليب المعالجة، وإمكانية التعامل مع كل هدف وفقا لقواعد الترشيد لا استهداف جباية الأموال، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة خلق البدائل التي تحد من أكبر تكاليف مكونات منظومة الدعوم، مثل كلفة استهلاك الطاقة الكهربائية.

الكويت تعد أولى دول المنطقة في تبني الطاقة البديلة أو المتجددة كبديل للطاقة التقليدية التي تستنزف الموارد المالية والطبيعية في تشغيل الكهرباء، إلا أنها أقل دول الخليج اهتماما بهذا الملف، إذ تستهدف الكويت عام 2020 أن تمثل الطاقة البديلة 3 في المئة فقط من إجمالي الطاقة المستهلكة، مقارنة بقطر التي تتجه إلى أن تكون نحو 18 و20 في المئة من طاقتها المستخدمة للطاقة المتجددة، أو الإمارات وعمان، اللتين تستهدفان 10 في المئة من هذه الطاقة، أما السعودية فتستهدف نسبة 12 في المئة من طاقتها للطاقة المتجددة، مع استثمارات في مجال البحوث لإنتاج الألواح الشمسية والكهربائية، وتصديرها إلى أوروبا بعد تغطية الاستهلاك المحلي خلال فترة من 20 إلى 25 عاماً.

مصروفات متنامية

ما ينطبق على الدعومات ينسحب أيضا على بقية أبواب الميزانية، وأبرزها «المرتبات وما في حكمها»، التي تستهلك 11 مليار دينار، نحو 57 في المئة من إجمالي المصروفات، بنمو 8 في المئة عن العام الماضي، مع توقعات بأن تتعاظم طلبات فرص العمل خلال السنوات القليلة المقبلة إلى 55.9 ألفا في عام 2025، وتتصاعد في عام 2030 إلى 74 ألفا، بينما توفر الدولة حاليا ما يوازي 21 ألف وظيفة في القطاع العام، مما يعني أن الإدارة العامة بين خيارين، الأول أن تتوقف أو تخفض التوظيف فتخلق أزمة بطالة تترتب عليها تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية، والثاني أن تنجح في خلق فرص عمل بالقطاع الخاص لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين سنويا، ومشكلة هذين الخيارين أن أولهما مر والثاني أقرب إلى المستحيل، بناء على تجارب حكومية سابقة.

جودة «الاستثماري»

وببلوغ الإنفاق الاستثماري في الميزانية 3.2 مليارات دينار، بما يشكل 16.7 في المئة من إجمالي المصروفات، وبزيادة عن العام الماضي بـ22.8 في المئة، فإنه من المفيد دراسة جودة هذا الإنفاق إن كان موجها إلى مشاريع إنشائية مردودها محدود على الاقتصاد والمالية العامة، أم انه استثماري بالفعل يوفر للدولة عوائد غير نفطية وفرص عمل وفوائد في مجال التكنولوجيا.

سقف وديون

ومع الحديث عن ضبط الإنفاق، ووضع سقف للميزانية، كانت مصروفات ميزانية 2018-2019 ثاني أعلى ميزانية خلال 8 سنوات، بنمو 0.1 في المئة عن سابقتها، قبل أن يتم تعديلها لاحقا بزيادتها 1.5 مليار دينار إضافية (...) مع توقع النمو بـ5 في المئة لميزانية 2020-2021 عند 21 مليارا، لذلك من المهم إصدار موازنة عامة للدولة موحدة بما لا يقل عن 3 سنوات، يُمنع فيها أي ارتفاع في الإنفاق العام، إلا بقانون، لضمان عدم التوسع في المصروفات والوصول إلى حجم إيرادات مخطط له مسبقا.

إلا أن الأهم هو أن يكون الإنفاق العام والرأسمالي تحديدا على كفاءة عالية من الإنفاق، ليصب في أهداف الاقتصاد، ويخدم تمويل الميزانية وخلق فرص العمل، إلى جانب عدم اللجوء إلى الاستدانة من أسواق السندات إلا بعد تحقيق نجاحات مسبقة التحديد في ضبط المصروفات وتنمية الإيرادات وإلا تحول الاقتراض من خيار تمويلي إلى عبء على المالية والاقتصاد.