أليس غريباً ومستغرباً، ويعني أنَّ الأمور في سورية تسير في اتجاهات "متعاكسة"، أنْ يملأ الروس الدنيا كلها صخباً، وينادوا بعودة المهجرين واللاجئين إلى بلادهم؛ إلى مدنهم وقراهم، وفي الوقت نفسه يبدأون بعمليات ترحيل بالقوة، وتحت وطأة التهديد والوعيد، لأهل إدلب ولاجئيها، ودفعهم دفعاً في اتجاه حدود تركيا، توطئة للسيطرة على هذه المنطقة بالقوة العسكرية، على غرار ما جرى مع كل مناطق "تخفيف التصعيد"، وآخرها حتى الآن درعا والجبهة الجنوبية؟!

ولعل ما يدعو إلى طرح ألف سؤال وسؤال أن تنظيم "النصرة" الذي كان شريكاً لـ "داعش" الإرهابي، وجزءاً من نسيجه وتركيبته، كان له الدور الرئيسي في "إسقاط" المناطق التي وقعت في يد النظام، بدءاً بمدينة حلب وبعض توابعها، وصولاً إلى درعا والجبهة الجنوبية. وهكذا، فإن الدور قد جاء إلى إدلب التي حولها الروس منذ عام 2015، وحتى الآن، إلى مستودع بشري؛ كل الذين حشروا فيه من "السنة"!

Ad

وللتذكير فقط، فإن المعروف أن "النصرة"، التي لم تنصر إلا النظام السوري والمتدخلين من الخارج لدعمه، كانت قد افتعلت مشكلة احتجاز راهبات "معلولا"، التي من المفترض أنها معروفة، ثم بتدخل من وسيط، بادر إلى حلِّ تلك المشكلة، كل هذا وفقاً لمثل عربي قديم يقول: "يعدي مع الذئاب ويجْفل مع الأغنام". والحقيقة أن هذا الأسلوب لا يزال متواصلاً ومتبعاً حتى الآن، إذ إن هذا التنظيم الذي أصبح معروف الهوية "يكسر ويجبر"، في الوقت نفسه، ويقتل القتيل ويمشي في جنازته. كل هذا في حين أن الممولين يقبضون الثمن بالاعتراف بهم رقماً فاعلاً ورئيسياً بالنسبة إلى الأزمة السورية وأزمات أخرى كثيرة في هذه المنطقة!

المشكلة هنا أنه قد اتضح، وعلى نحو معلن ولا جدال فيه، أن الأميركيين ما عاد لهم أي دور فاعل في هذه الأزمة، التي غدت أزمة إقليمية، وأيضاً أزمة دولية، وإلا ما معنى أن يقوم الروس بكل ما يقومون به، وكما يريدون، بينما أميركا غائبة كل هذا الغياب المثير للعديد من الأسئلة، التي أولها: هل يا ترى أن الـ "كي.جي.بي" لديه مستمسكات مخجلة ومعيبة على دونالد ترامب، حتى يقبل صاغراً أن يكون دور بلده الولايات المتحدة هامشياً وثانوياً في هذه الأزمة، التي هي ليست أزمة سورية وشرق أوسطية فقط، بل دولية أيضاً، ولها تأثير فاعل ومباشر على أزمات أخرى ملتهبة، من بينها أزمة القرم وأوكرانيا وبعض دول البلطيق، والعديد من الأزمات الأخرى المتفجرة في الكون كله، وبخاصة في أوروبا الشرقية؟!

إن ما يريده الروس، الذين يتظاهرون تظاهراً خادعاً وكاذباً بأنهم يعملون على استعادة وعودة اللاجئين والهاربين من سورية إليها، هو مواصلة تفريغ هذا البلد من أكثريته السنية، لحساب بديل تآمري قديم هو إقامة ما أطلق عليه موشيه دايان: "الكومنولث" الطائفي، الذي تكون لإسرائيل فيه مكانة بريطانيا العظمى في الكومنولث البريطاني، الذي لا يزال قائماً، ولكن بصورة شكلية غير فاعلة!