تتّضح أولى نتائج التجارب التي تختبر تقنية اليوغا الإلكترونية في الشهر المقبل، لكنّ هذا الموعد ليس سريعاً بما يكفي بالنسبة إلى البعض. وراء الأبواب المغلقة، سبق أن بدأت أولى حصص التأمل الإلكتروني في العالم. حتى أنّ وكالة الدفاع الأميركية بدأت تستكشف هذا المفهوم باعتباره طريقة محتملة لتحسين قدرات الجنود. لكن لا داعي للمبالغة في التفاؤل، فقد يترافق تسريع مسار استرجاع الهدوء مع جوانب مظلمة!

ربما يسمح التأمل المبني على الاسترخاء الذهني، أي زيادة التركيز على الحاضر وعلى الأفكار والمشاعر والعالم من حولك، بحمايتك من الاكتئاب وبتسريع التعلم وتخفيف الألم والقلق. حتى أنه يبطئ مسار الشيخوخة. تعطي اليوغا من جهتها عدداً من المنافع الصحية، من بينها تخفيف الاكتئاب والقلق والأكل العاطفي. تستطيع الممارستان تعطيل الجينات المرتبطة بالالتهابات التي تُسبّب عدداً من الأمراض.

Ad

لكن لتحقيق النتائج المرجوة من اليوغا والتأمل، لا بد من المواظبة على ممارسة هذه التقنيات لفترة من الزمن. يظن عالِم الأعصاب بشار بدران وزملاؤه من الجامعة الطبية في ولاية كارولينا الجنوبية أنهم يستطيعون تسريع هذه العملية. يبدو السر بسيطاً: إنها تقنية مبنية على تحفيز الدماغ بطريقة غير غازية أو ما يُسمّى «التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة». تقضي هذه العملية بإلصاق قطبين كهربائيين بالرأس، واحد فوق العين والآخر على الصدغ، ثم بثّ تيار كهربائي خفيف في أنحاء الدماغ. تبيّن أن هذه الطريقة تُحسّن أعراض الاكتئاب وتسهم في معالجة الإدمان والرغبات الفائقة في الأكل، حتى أنها تُسرّع التعافي من الجلطات الدماغية.

يقول بدران: «كنت أفكر بهذا الموضوع منذ فترة، أي بالقدرة على نسخ التغيرات الدماغية الحاصلة لدى ممارسي التأمل منذ فترة طويلة ونقلها إلى المبتدئين».

اختبار ودراسة

لاختبار هذه الفكرة، طلب فريقه إلى 15 متطوعاً لا يملكون أية خبرة في عالم التأمل أن يشاركوا في حصة مدتها 20 دقيقة من التأمل المبني على الاسترخاء الذهني. أثناء التأمل، تلقى المتطوعون تحفيزاً بالتيار المباشر عبر الجمجمة بقوة 1 أو 2 مل أمبير أو أخذوا دواءً وهمياً يعطي شعوراً حقيقياً بوجود وخز على الجلد. شارك المتطوعون في ثلاث حصص على مر ثلاثة أسابيع وتلقوا خلال هذه الفترة العلاجين معاً. قبل كل حصة وبعدها، كانوا يجيبون عن أسئلة لقياس جوانبهم المزاجية، من بينها تسجيل عواطف مختلفة على مقياس يمتد من 1 إلى 100.

لوحظ أن مشاعر الهدوء زادت بدرجة لافتة، من 5 % تقريباً بعد تلقي الدواء الوهمي إلى 15 % بعد تحفيز الدماغ. في المقابل، تراجع القلق الذي يُعتبر أحد أبرز المعوقات التي تحول دون استرخاء الذهن بنسبة الضعف بعد تحفيز الدماغ بقوة 2 مل أمبير مقارنةً بمفعول التأمل وحده. يقول بدران إن هذه التغيرات تُسجَّل في الحالات العادية بعد مرور أسابيع عدة.

في الوقت نفسه، كان مارلون دانيلفيتس وزملاؤه من جامعة كولومبيا البريطانية في كندا يحملون فكرة مماثلة عن اليوغا. قال دانيلفيتس: «نعرف أن اليوغا والتأمل قد ينعكسان إيجاباً على الاكتئاب والقلق والضغط النفسي، وثمة حاجة مُلحّة إلى تحسين العلاجات التي تستهدف هذه المشاكل. لذا أردنا أن نعرف مدى قدرتنا على استعمال التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة واليوغا معاً. يمكن تطبيق الطريقتين في المنزل بلا مشكلة».

كان صعق الدماغ كفيلاً بمساعدة الناس على تحويل مسار أفكارهم وتحسين ذاكرتهم.

شملت الدراسة 22 رجلاً وامرأة يتمتعون بصحة جيدة ويمارسون اليوغا بانتظام. خلال الحصة الأولى، تلقوا تحفيزاً بالتيار المباشر عبر الجمجمة أو علاجاً مزيفاً. وبعد مرور أسبوع، تلقوا العلاج المعاكس. في بداية كل حصة وفي نهايتها، خضعوا للتقييم من خلال قياس نشاطهم الدماغي واختبار ذاكرتهم تزامناً مع مسح أدمغتهم. يُفترض أن تقدّم هذه التقييمات أدلة على نوع النشاط الدماغي والمناطق الدماغية التي تتأثر بتحفيز الجمجمة، وقد تُلمِح هذه المعطيات إلى الآليات الفيزيولوجية الكامنة وراء أي منافع متوقعة.

تحويل مسار الأفكار

تكشف النتائج الأولية أن تحفيز الدماغ ينعكس إيجاباً على قدرة المشاركين على تحويل مسار أفكارهم: إنه الجانب الذي يرتبط بالاسترخاء الذهني ويتعلم الناس خلاله تقبّل الأفكار باعتبارها أحداثاً موضوعية في العقل بدل التماهي معها. تبيّن أيضاً أن هذه التقنية تُحسّن أداء الذاكرة. ستُطرَح تفاصيل إضافية عن التجربتين معاً في الشهر المقبل.

تبدو هذه النتائج الأولية واعدة، لكن ما الذي يجعل صعق الدماغ قادراً على تعزيز استرخائنا الذهني؟ يمضي البشر وقتاً طويلاً وهم يفكرون بمسائل غير ملموسة، لا سيما التخطيط للمستقبل أو التفكير بالماضي. يبدو أن هذا الشكل من تشتت العقل يعكس الوضع الافتراضي للدماغ حين لا نركّز على مهمّة محددة. إنه إنجاز تطوري يسمح لنا بوضع الخطط وتعلّم الدروس. لكن تترافق هذه العملية مع كلفة معيّنة: ترتبط المبالغة في اجترار الأفكار بمشاعر التعاسة.

في عام 2010، أثبت بحث أجراه ماثيو كيلنغزورث ودانيال غيلبرت اللذان كانا يعملان حينها في جامعة هارفادر أن عقلنا لا يتشتت حصراً خلال نصف ساعات اليقظة، بل إن سعادتنا تخفّ حين يتشتت عقلنا أكثر مما يحصل عندما نركّز على مهمّة معيّنة. اتفق الباحثان على استنتاج مفاده أن العقل الذي يتشتت يصبح تعيساً.

يرتبط هذا التشتت العقلي بمجموعة من المناطق الدماغية تُعرَف جماعياً بشبكة الوضع الافتراضي. تتعطل هذه المناطق حين نُحوّل انتباهنا نحو هدف محدد، لكنها تنشط مجدداً حين نسمح للعقل بالتشتت. تثبت الدراسات أن الأشخاص الذين يمارسون التأمل منذ أكثر من 10 سنوات يبرعون في تعطيل شبكة الوضع الافتراضي تزامناً مع تخفيف مستوى تشتتهم العقلي.

يبدو أن تحفيز الدماغ يُسرّع تلك العملية. استهدف بدران ودانيلفيتس معاً شبكة الوضع الافتراضي من خلال استعمال التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة لتخفيف نشاطها وتقليص الثرثرة العقلية خلال حصص التأمل واليوغا.

جذبت هذه الفكرة انتباه الجيش الأميركي مع أنها لا تزال في مراحلها الأولى. كان الجيش يستكشف أصلاً إمكانية استعمال اليوغا والاسترخاء الذهني لتحسين أداء الجنود، وذلك من خلال زيادة مستوى الانتباه وتحسين الذاكرة وقدرات التعلم، فضلاً عن زيادة القدرة على التفكير بوضوح تحت الضغط. يعمل بدران راهناً مع «مختبر أبحاث الجيش الأميركي» لدراسة مدى قدرة التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة على تضخيم تلك الجهود. يوضح بدران: «يهتم الجيش بإيجاد أدوات لزيادة مستوى الانتباه والإدراك. لذا يُعتبر احتمال استعمال التأمل لتحسين الأداء عند الشعور بالتعب بالغ الأهمية في نظره. بدل استهلاك الكافيين، قد نتمكن من تحسين قدرة الجنود على التكيف مع البيئات العصيبة عن طريق الاسترخاء الذهني والتحفيز الإلكتروني».

التجربة ممكنة في المنزل

انتشرت الأنباء المتعلقة بهذه الأداة الإلكترونية الرامية إلى تصفية الذهن. سرعان ما اتصل أشخاص من محبّي التأمل في كارولينا الجنوبية ببدران بعدما قرؤوا عن بحثه وطلبوا إليه خوض التجربة. فسمح لهم باستعارة جهازه وعلّمهم كيفية وضع الأقطاب الكهربائية وأبلغهم بمدة تشغيلها. بعد الاعتياد على استعماله بالشكل الصحيح، سُمِح لممارسي التأمل بأن يجرّبوه في المنزل. انبهر أشخاص بالنتائج لدرجة أنهم قرروا شراء أجهزة التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة للاحتفاظ بها.

عند تقييم تلك التجارب، اعترف عدد من المشاركين بأنهم شعروا بدرجات أعلى من الهدوء واليقظة وتحسّنت قدراتهم الاجتماعية أكثر مما يحصل بعد حصة تأمل عادية. قال بيت سنايدرمان الذي كان يمارس التأمل منذ 10 سنوات: «التأمل صعب في حالتي، إذ يحتاج عقلي عموماً إلى 30 دقيقة كي يسترجع الهدوء ولا تتحقق هذه النتيجة في نصف المرات. لكن بفضل التحفيز الدماغي، بات عقلي يهدأ في أول 5 أو 10 دقائق. يمرّ الوقت بسرعة وأشعر بأن الدقائق العشرين لا تتجاوز الخمس دقائق». بعد انتهاء التأمل، يقول سنايدرمان إنه يستطيع حصر انتباهه بكل ما يريد تحقيقه خلال أربع إلى ست ساعات. لذا يعتبر أن هذه الأداة «مضادة للتأجيل».

لكن لم يقتنع البعض بأن التحفيز الدماغي هو الحل المطلوب. يقول عالِم الأعصاب كليفورد سارون من جامعة كاليفورنيا إننا لا نفهم بما يكفي معنى الاسترخاء الذهني كي نبدأ بتعديل الآليات العصبية الكامنة وراءه: «لا شك في أن كثيرين يستغلون الفرصة لتعلّم الاسترخاء الذهني. لكننا لم نفهم بعد طريقة نشوء تلك المنافع». كذلك، تثبت الدراسات المرتبطة بإيجابيات التأمل أو الاسترخاء الذهني وجود آثار ضئيلة. وحين ترصد الدراسات تغيرات دماغية بنيوية، لا يمكن التأكد من أنها تنجم عن تلك الممارسات. يوضح سارون: «ربما ترتبط الآثار الإيجابية بالدعم الاجتماعي الذي ينشأ نتيجة المشاركة في الحصص، أو بالتشجّع على الاعتناء بالذات، أو بسبب الاضطرار إلى تحقيق نتيجة معيّنة خلال وقت محدد».

لاختبار الفرق الحقيقي الذي يُحدِثه التحفيز بالتيار المباشر عبر الجمجمة، يتكلم سارون عن الحاجة إلى قياسات أكثر دقة بدل إجراء استطلاعات عن المزاج. ولاتخاذ مقاربة موضوعية، لا بد من مقارنة مدى قدرة ذلك التحفيز على تغيير مشاعر الناس بعد أداء مهام عادية مثل مراجعة الرسائل الإلكترونية.

حتى أن البعض يشكك بصوابية تسريع مسار التأمل بما أن الأخير بحد ذاته قد يعطي عواقب سلبية. ذكر بعض الأشخاص آثاراً تتراوح بين الاضطراب العاطفي والهلوسات وحتى الذهان.

يقول خبير علم النفس المعرفي ميغيل فارياس من جامعة «كوفنتري» البريطانية: «إذا رصدت دراسات أكبر حجماً عن التحفيز زيادات في مستوى الاسترخاء الذهني لدى بعض الناس، من الطبيعي أن نتوقع أيضاً زيادة في الآثار السلبية. لن يكون التأمل والاسترخاء الذهني مناسبَين للبعض. هذه هي أهم رسالة نريد توجيهها».

بالنسبة إلى الأفراد الذين يستمتعون بممارسة هذه التقنية، ينظّم بدران حصصاً خاصة من التأمل الإلكتروني في نيويورك، وبدأ يُطوّر جهازاً طبياً على شكل عصابة للرأس كي يستعملها الناس أثناء التأمل في منازلهم. يوضح بدران: «نظن أن تحفيز الدماغ يساعد الناس على تحسين مستوى راحتهم العامة والتحكم بقلقهم والحد من اكتئابهم وألمهم. تتعدد المجالات التي ربما تستفيد من هذا الابتكار، لذا من المنطقي أن تتوسع التجارب للتحقق من مفعول الجهاز».

*هيلين تومسون