في عام ١٩٧٩ عرض تلفزيون الكويت سباعية بعنوان الدكتور، اقتبسها الكاتب طارق عثمان عن مسرحية للكاتب الصربي الساخر برينسلاف نوشيتش، حملت العنوان نفسه كتبها عام ١٩٣٦، قبل عامين من وفاته. كانت المسرحية تتناول حكاية شاب أرسل لنيل شهادة الدكتوراه، نيابة عن ابن عائلة ثرية، لكنه حصل على شهادة مزورة، ليعود بها للعائلة.

تلك كانت مسرحية حولت لعمل درامي، ولم يخطر ببال أحد أن تتحول هذه المسرحية الساخرة إلى واقع أصبح من الصعب السيطرة عليه حين يتعلق الأمر بذوي النفوذ وأصحاب المال والجاه. تكررت هذه المسرحية لتنشأ في الكويت شبكة معقدة من شخصيات أكاديمية وجامعات حقيقية ووهمية ووسطاء يديرون هذه الشبكة. أصبح حرف الدال الذي يسبق الأسماء العارية يحمل زخما اجتماعيا، ويتساوى تحت هيبته ذلك الطالب الذي أفنى وقته في دراسته، والآخر الذي لم يكلفه الأمر سوى حفنة من المال سيعوضها في منصب عام.

Ad

جميعنا نعلم أن الذين حصلوا على شهاداتهم الوهمية كانوا يطمحون إلى وجاهة اجتماعية، أو منصب عام، أو التخلص من عقدة الجهل. والسؤال الأهم؛ هل يحق لشخص ما أن يشتري شهادة من جهة تبيعها؟ ربما إجابتي لا تروق لكم، لكنها نعم، من حق أي شخص أن يشتري شهادة مزورة، شريطة أن يبقى الأمر في حدود إشباع رغبته الذاتية وطموحه الشخصي، دون أن يتعلق هذا الأمر بعلاقته بالمجتمع. فالذي يشتري شهادة طب يعلقها في صالة منزله، ولا يحمل سماعته الطبية ليكشف على المرضى، والذي يحصل على دكتوراه مزورة يضعها تحت وسادته، ولا يطلب بها منصبا، أو يفرض نفسه على المؤسسة الأكاديمية.

الدكتوراه الحقيقية هي منح الخريج إجازة في البحث والإشراف على البحوث، وحين يتوقف هذا الباحث عن بحوثه وتمر سنوات طويلة دون أن ينشر بحثا محكما تصبح شهادته ورقة ميتة لا حياة فيها. الخطورة الكبرى تكمن في دخول أصحاب هذه الشهادات للجسد الأكاديمي وتولي مسؤولية تعليم الطلبة أو عمادة المعاهد والكليات. كان الأمير الراحل جابر الأحمد يهتم شخصيا باختيار الأساتذة الذين يدرسون في جامعة الكويت وبعض الشخصيات الاقتصادية، وجميعنا نعرف ما تطلبه الجامعات من سير ذاتية لاختيار كوادرها الأكاديمية من غير الكويتيين، وهو أمر لا ينطبق على الدكتور الكويتي المبتعث وحديث التخرج، الذي يباشر التدريس مباشرة بعد الحصول على الإجازة الجامعية.

رغم أن تأثير الدكتور المزور في القطاعات الأخرى يعتبر خطيرا، لكنه في القطاع الأكاديمي يعد كارثيا. فأغلب الطلبة يعرفون الطرق التي تحصل فيها أستاذهم على درجته العلمية، ويعرفون أنهم سيكونون يوما ما في محله، وبالطريقة نفسها التي سلكها.

مكافحة هذه الظاهرة في الدول الغنية والاستهلاكية ستكون فاشلة وغير مجدية، لتمكن هذه الشخصيات من مفاصل الدولة ومؤسساتها، وللمكانة الاجتماعية التي تتمتع بها أسرهم، والأمر يحتاج إلى غربلة ستطيح أسماء كثيرة صمتت عنها السلطة زمنا غير يسير.

والحل؟ لا شيء! سيشجع عدم الحل مجاميع أخرى للسير في ذات الطريق السهل.