في كلمته أمام أعمال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، بكين، قال سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت: الأوضاع المأساوية في اليمن وسورية وليبيا والصومال تدمي القلوب. صدق سموه، فما يحصل في هذه البلاد وغيرها من الدول التي نكبت بالوباء الإرهابي، فواجع رهيبة تدمي القلب وتبكي الفؤاد قبل العين، فإذا أضفنا إلى تلك المشاهد الكارثية، ما نقلته التقارير عن جهود "داعش" المحمومة في الترويج لتجنيد الأطفال واستغلالهم في عملياته الانتحارية، فيما يسمون "أشبال الخلافة" أدركنا حجم الكوارث المحدقة بمستقبل هذه المجتمعات العربية.

ما دوافع "داعش" لتجنيد الأطفال؟!

Ad

أولا: الجهود الوطنية وبدعم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، نجحت في تقويض دولة الخلافة المزعومة في الموصل والرقة، وتمزيق التنظيم وملاحقة فلوله وتشريدها، واستعادة الأراضي المحتلة منذ عام 2014 وتحرير المدن السورية، كما نجح الجيش العراقي المجيد والتحالف، بعد تضحيات جسيمة، في طرد "داعش" وتطهير العراق من أرجاسه، هزم "داعش" وولى الأدبار، ولم يجد هذا التنظيم العدواني، أمام سلسلة الهزائم والانكسارات إلا اللجوء إلى تجنيد الأطفال.

ثانياً: تجنيد الأطفال أسهل من تجنيد الكبار، فهم أطوع لقبول أيديولوجية الكراهية والتدريب على برامج العنف، عبر عمليات غسيل الأدمغة في المعسكرات ومشاهد القتل وفيديوهات الإعدام، وجعلهم يشاركون في هذه العمليات، مما يرسخ في نفوسهم العدوان والوحشية، ويجعلهم أكثر ولاء وانصياعا في تنفيذ الأوامر، وتحولهم إلى قنابل بشرية انتحارية.

ثالثاً: يشكل الأطفال قوة استراتيجية للتنظيم، كونهم يستطيعون الوصول إلى الأهداف، دون إثارة الاشتباه فيهم، كما أنه يصعب على من تربى على أيديولوجية العنف والكراهية، واعتاد مشاهد القتل والدماء، إعادة تأهيله، طبقاً للكاتبة الروائية نداء أبوعلي في تقريرها: "داعش" يصعد وتيرة تجنيد الأطفال بعد خسائره المتتالية، صحيفة الحياة.

الآن: دعونا نتساءل: لماذا ينجح "داعش" وتنظيمات التطرف، في استهواء الصغار وتجنيدهم تحت شعارات الجهاد والفوز بالجنة؟!

هناك مجموعة من العوامل، أبرزها:

1- التربية الأسرية غير السوية: الأطفال الذين لا ينعمون بمحاضن تربوية آمنة وحميمية، بسبب التفكك الأُسَري، وسوء معاملة الأب لأطفاله وأمهم، ويعيشون جواً أسرياً بائساً ومحبطاً، هم الأكثر قبولا لخطاب التطرف، تشير الدراسات إلى أن الطفولة القاسية هي العامل المشترك في سير جميع المتطرفين، وغير بعيد عنا، فاجعة المسجد الأحمر بإسلام آباد، قبل 10سنوات، إذ تحصن مئات من طلاب المدارس الإسلامية بحجة الجهاد ضد الحكومة الباكستانية التي تمالئ الغرب الكافر ولا تطبق الشريعة، وتصدت قوات الكوماندوز، ليسقط بعضهم صرعى، ويفر إمامهم مولانا عبدالعزيز في زي امرأة منقبة، وفِي أعقاب الفاجعة، تجمعت الأمهات الباكستانيات في حشد ضخم، حاملات أطفالهن، معصوبي الجباه بشهادة (لا إله الا الله) تعالى، متعهدات تنشئة أطفالهن على عقيدة الجهاد والأخذ بالثأر من الدولة! هؤلاء الأطفال، هم الرصيد الاستراتيجي الاحتياطي للتنظيمات!

2- التعليم الديني (المخترق) من قبل جماعات التطرف التي نجحت في إقامة آلاف المدارس بأقسامها الداخلية على امتداد العالم الإسلامي، ففي هذه المدارس، وعبر مناهج ومعلمين، يلقن الصغار عقيدة الجهاد ضد الغرب الصليبي، الحاقد والمتآمر على المسلمين، وضد الحكومات القائمة، بحجة أنها حكومات عميلة متواطئة مع الغرب الكافر لضرب الإسلام والإسلاميين، ومن هنا لابد من الاستعداد للجهاد من أجل رفعة الإسلام! هذا يؤكد أن أصل الإرهاب "فهم ضال للجهاد".

3- لا غرابة في تجنيد الصغار لدى هذه الجماعات، ففي عرفها وقطاعات شعبية متعاطفة معها أن تربية الصغار على الشدة والعنف وعدم الخوف من مشاهد الدم والعنف، تربية رجولية مطلوبة ومؤيدة بفتاوى دينية، حركة شباب المجاهدين الصومالية كانت تمنح الكلاشينكوف جوائز للفائزين الصغار في مسابقات حفظ القرآن الكريم.

4- أخيراً: من نحسبهم نحن (صغاراً) طبقاً لمعيار السن القانونية، تراهم تلك الجماعات (رجالاً) طبقاً لمعيار (البلوغ الشرعي)، معياراً للتكليف والجهاد.

ختاماً: العقل يحتله الأسبق إليه، مقولة المفكر الفذ البليهي، علينا المسارعة إلى تفكيك هذا المنهج التربوي العنيف، لتحصين عقلية ونفسية صغارنا، بتطوير مناهجنا التعليمية، وأنسنة نظمنا التربوية.

* كاتب قطري