أقرت الحكومة والكنيست الإسرائيلي سلسلة قوانين عنصرية غير مسبوقة، لكن ذروتها كانت إقرار ما سموه قانون القومية، الذي كرس إسرائيل ككيان لليهود فقط، وحصر حق تقرير المصير فيها حصرا باليهود فقط، وحصر أرض فلسطين بأنها لليهود فقط، وفي ظل حقيقة أن الفلسطينيين المقيمين على أرض فلسطين التاريخية يمثلون أكثر من خمسين في المئة من السكان، وأن الفلسطينيين من حملة جوازات السفر الإسرائيلية يزيدون على عشرين في المئة، فإن هذا القانون قد كرس إسرائيل رسميا، بعد أن كرستها الأفعال عمليا، كنظام أبارتهايد عنصري هو الأسوأ في تاريخ البشرية.

وبذلك فإن الحكومة الإسرائيلية والكنيست الإسرائيلي انحدرا إلى مستوى غير مسبوق في العنصرية المكشوفة والوقحة، وأقرا نظاما يخرق القوانين الدولية وعهد حقوق الإنسان، ويغلق الباب نهائيا أمام ما يسمى "جهود السلام" و"حل الدولتين".

Ad

فهذا القانون يجعل نظام الأبارتهايد العنصري الإسرائيلي أسوأ بألف مرة وأشد عنصرية ودناءة من نظام الأبارتهايد الذي أسقطه مانديلا وشعبه في جنوب إفريقيا، وبغض النظر عن الادعاءات الميثولوجية، وتزييف التاريخ الذي تمارسه إسرائيل، بما في ذلك الإنكار الكامل لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه وتاريخه، فلا بد من توضيح المعالم السياسية الخطيرة لهذا القانون.

وأولها أنه يمثل الخاتمة الطبيعية لتطبيق الفكر الصهيوني بطابعه العنصري، وهو فكر ناور طوال مئة عام لإخفاء مقاصده الحقيقية، وطابعه التوسعي، وأخفى مخططاته خلف الادعاء بأنه الضحية وهو المسبب لمأساة الشعب الفلسطيني، مستغلا معاناته، وحتى معاناة اليهود أنفسهم في أوروبا، إلى أن حقق ما أعتقد أنه قوة كافية تسمح له أخيرا بكشف وجهه الحقيقي وعنصريته بالكامل، الأمر الذي تجلى فيما نص عليه القانون بأن ممارسة حق تقرير المصير محصورة باليهود فقط.

المعلم الثاني بالغ الأهمية، ما نص عليه القانون بأن الاستيطان اليهودي (لاحظوا اليهودي لا الإسرائيلي) هو قيمة قومية وستعمل إسرائيل على تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته، والسؤال الجوهري هنا أين سيتم ذلك؟ إذ لم يحدد القانون العنصري مثلما لم تحدد أي قوانين إسرائيلية حدود دولة اليهود، وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحدد حدودها، وذلك يعني أولا أن القانون العنصري ونظام الأبارتهايد يشمل كل أراضي فلسطين بما فيها الضفة والقدس وغزة بالاضافة إلى الجولان السوري المحتل، وأكثر، فالباب مفتوح لاحقا إن توافرت الفرصة للأطماع الصهيونية للاستيطان والتهويد في الأردن ولبنان.

بعض العرب للأسف كانوا يظنون أننا نبالغ حين كنا نحذر من مخاطر الحركة الصهيونية على بلدانهم، واقتصاداتهم وثرواتهم، واليوم تبدو الصورة واضحة في محاولة إسرائيل جعل نفسها القوة الإقليمية المسيطرة على كل المحيط العربي عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا.

أما المعلم الثالث الخطير، فهو ما نص عليه القانون بأن القدس الكاملة الموحدة هي عاصمة إسرائيل، وهذا هو الرد على دعاة الاستسلام الذين قالوا إن نقل السفارة الأميركية للقدس يخص فقط جزءها الغربي، وإذا أردتم المزيد فإن القانون يعتبر تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني، العيد القومي الرسمي للدولة، ويلغي مكانة اللغة العربية، ويلغي فعليا أي حقوق قومية أو مدنية للفلسطينيين الذين يسميهم (غير اليهود) أي الأغيار الذين حسب أعرافهم التلمودية يجوز قتلهم، بل يجب قتلهم واضطهادهم.

سيأتي يوم يندم فيه من صاغوا هذا القانون وأقروه، على أنهم بإقراره كشفوا عورة الصهيونية ووجه إسرائيل العنصري بالكامل، وثبتوا نظامهم كنظام أبارتهايد عنصري، وفتحوا الباب على مصراعيه لنجاح حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضده. وإذا كانت إسرائيل قد حجزت لنفسها بهذا القانون وبسياساتها، مكانا مضمونا في معسكر الفاشية والعنصرية الشوفينية عالميا، وهو معسكر مصيره الزوال، فإنها ساعدتنا فعليا في تأكيد إدراكنا بأننا شعب واحد، نعاني اضطهادا واحدا، ومصيرنا ومستقبلنا واحد، ونضالنا واحد بكل مكوناتنا سواء من يعيش في أراضي 1948، أو في الأراضي المحتلة، أو في الخارج.

ولا توجد سوى استراتجية واحدة لتوحيد هذا النضال، استراتجية الجمع بين المقاومة الشعبية، وحركة المقاطعة، ودعم الصمود والبقاء، والوحدة، وتكامل نضال كل مكونات الشعب الفلسطيني.

اليوم اكتملت الصورة، ولا فائدة من المراوحة في الماضي ومشاريعه، ومفاوضاته، وأساليبه، وتسوياته، واتفاقياته، فهدفنا الجامع يجب أن يكون إسقاط نظام الأبارتهايد والاحتلال العنصري بالكامل وبكل مكوناته.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية