قال بيان من غرفة تجارة وصناعة الكويت إنه في الربع الأخير من القرن العشرين، استأثر الهم الأمني بمساحة واسعة من اهتمام الدبلوماسية الكويتية، التي كان سمو الشيخ صباح الأحمد، وزير الخارجية وقتها، مهندسها وعميدها.

وأضافت الغرفة: بعد انحسار الهم الأمني الى حد ما، أطلق سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد «الدبلوماسية الاقتصادية» لدولة الكويت، حيث ترأس في يوليو 2004 وفدا سياسيا واقتصاديا كبيرا في جولة آسيوية شملت 4 دول بدأت بجمهورية الصين، وأسفرت زيارتها عن توقيع 3 اتفاقيات في التعاون الاقتصادي والفني، وفي مجالات النفط والبيئة، وكان هذا التوجه نحو الشرق بمنزلة استقراء ذكي للمستقبل، ينطلق محليا من حتمية توسيع وتنويع قاعدة الاقتصاد الكويتي، وينطلق دوليا من ضرورة التعامل مع القوى الاقتصادية العالمية الجديدة.

Ad

وقد عزز سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد هذه الدبلوماسية الاقتصادية، عندما ترأس في يونيو 2006 وفدا سياسيا واقتصاديا كبيرا في جولة آسيوية ثانية ضمت 4 دول أخرى.

وشددت الغرفة على انه منذ ذلك الوقت حتى اليوم، والكويت ترسم بهدوء وإتقان خريطة تعاونها مع الصين على هذه الخريطة، وضع مشروع مدينة الحرير، ومشروع تطوير الشمال والجزر، ورؤية الكويت الجديدة 2035، وفي إطار هذه الخريطة شاركت الكويت في تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وكانت أول دولة وقعت «مبادرة الحزام والطريق» التي أعلنها الرئيس الصيني شين جين بينغ عام 2013، وتحديدا لمعالم هذه الخريطة كان الوفد السياسي والاقتصادي الى الصين الذي ترأسه رئيس الوزراء، سمو الشيخ جابر المبارك، في يونيو 2014، حيث تم توقيع 10 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات وعلى أرض الواقع أضحت الصين أول شركاء الكويت التجاريين، وثاني أكبر المصدرين لها، وثاني أكبر المستوردين لنفطها، ثم جاءت نتائج زيارة سمو الأمير الى الصين بين السابع والعاشر من يوليو الجاري، بمنزلة تتويج رائد وواعد لكل هذه الجهود.

أولوية خاصة

وقالت الغرفة: لخص سمو الأمير هدف هذه الجهود ومضمون ما انتهت اليه من اتفاق بأن «الكويت تطمح إلى أن تكون الصين شريكا استراتيجيا ومستثمرا أسياسيا في تطوير البنية التحتية لمدينة الحرير، وإنشاء مناطق صناعية وتكنولوجية متقدمة في شمال الكويت، مع إعطاء أولوية خاصة لمشاريع الموانئ والسكك الحديدية والطرق العامة، وإيلاء أهمية كبيرة لقطاع الطاقة من خلال الاستثمار في مشاريع النفط والغاز، ومن خلال الاستفادة من خبرات الصين في الاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقة المتجددة.

وبينت أن الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية المقصودة هنا تعتمد إذن، وفق ما جاء في البيان المشترك الصادر نهاية الزيارة الأميرية، على المواءمة بين مبادرة «الحزام والطريق» و»رؤية الكويت 2035» من خلال وضع منهج متكامل للتعاون الاقتصادي بين الدولتين، وأن اتخاذ مشروعي مدينة الحرير والجزر الكويتية بداية لتوظيف مزايا الجانبين، لا يعني أبدا أن الشراكة الاستراتيجية ستكون قاصرة عليهما، بل هي تتجاوزهما بعيدا فيما تعطيه من أهمية للتصنيع والتكنولوجيا والطاقة وللموانئ والنقل والطرق.

وأكدت أن هذا الاتفاق أو التوافق على بناء شراكة اقتصادية استراتيجية بين الصين والكويت يشكل بالتأكيد طموحا ذكيا صحيح الهدف والاتجاه للطرفين، كما يشكل تعزيزا لافتا وواضحا لصيغ التعاون الدولي من أجل الأمن والتنمية، أما بالنسبة إلى الكويت، فالاتفاق يمثل بالتأكيد منعطفا تاريخيا باهر الغد والوعد إن أحسنا تنفيذه وإدارته وحلمنا بإرادة وشجاعة مسؤولية نجاحه.

أهم التحديات

ولعل في النقاط التالية ما يوجز أهم التحديات التي يجب أن تتصدى لها هذه المسؤولية:

أولا - التنظيم الرشيد لبيتنا الكويتي بكل ما تحمله هذه العبارة من أبعاد سياسية واقتصادية ومجتمعية، وأول شروط هذا التنظيم، تفعيل القانون بحزم وعزم وعدل. فنحن نتكلم هنا فعلا، بصوت عال، ليس عن مستقبل الكويت فقط، بل عن وجودهما، وهو أمر لا كبير فيه فوق الكويت، ولا معايير له إلا مصالح الكويت، ولا مرجعية بصدده إلا المرجعية الوطنية بمؤسساتها الدستورية ومجتمعها المدني ومنطلقاتها الاقتصادية.

ثانيا - توثيق التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والقطاع الخاص من جهة، وتوثيق التكامل بين القطاعين العام والخاص من جهة ثانية، فالشراكة الاقتصادية التي نتحدث عنها يجب أن تراعي تماما مشاركة القطاع الخاص الكويتي في مشاريعها الى أبعد حد ممكن، والشراكة الاستراتيجية التي نتحدث عنها تضع على عاتق هذا القطاع في المقابل مسؤولية مضاعفة، ليكون مبادرا وقائدا في تعزيز مصالح الكويت، والقطاع الخاص الكويتي قادر على هذا الدور، راغب به، لكنه لا يمكن أن ينجح في أدائه ما لم يؤد القطاع الحكومي دوره في التحفيز والمساندة وتذليل العقبات، وخاصة تلك المتعلقة بالبيروقراطية والالتزام بقواعد النزاهة ومكافحة الفساد.

ثالثا - لا بد أن يكون للعمالة الوطنية دورها الكامل في هذه الشراكة، والدور الكامل هنا لا يعني توفير الوظائف فقط، بل يعني ايضا وبالدرجة ذاتها الإقبال على العمل بكفاءة وجهد وصدق، والعمالة الوطنية هنا تشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ينبغي أن تنجح وتنتشر من خلال ما تقدمه من سلع وخدمات للمشاريع الكبيرة.

رابعا - يجب أن تكون الشراكة الاستراتيجية الكويتية - الصينية نموذجا ناجحا لشراكات مماثلة مع مختلف الدول في أميركا وأوروبا وإفريقيا وغيرها، وليس في مثل هذه الشراكات جرح لسيادة الدولة أو استقلال قرارها، «فالمناطق الاقتصادية» - مفهوم معروف في كل اقتصادات العالم وارتباط أمن الدول بالمصالح الاقتصادية العالمية - حقيقة لا ينكرها أحد.

وقد جاء البيان الكويتي الصيني المشترك صريحا واضحا في هذا الصدد، عندما نص على أن يلتزم التعاون الكويتي - الصيني ومشاريعه «بالدور الإرشادي للحكومة والدور الرئيس للشركات وبالدور التوجيهي للسوق، وبالعمل حسب القواعد التجارية».

استراتيجية جديدة

لقد تابعت غرفة تجارة وصناعة الكويت، بكل اهتمام، وساهمت بكل حماس في مرحلة بناء الشراكة الاستراتيجية الجديدة، فشاركت بفعالية في كافة الوفود التي هيأت للزيارة الأميرية الأخيرة، ودعت الى الانفتاح على اجتذاب الاستثمارات الخارجية من خلال المناطق الاقتصادية، وبلورت رؤيتها للتنويع وتوسيع القاعدة الإنتاجية من خلال استراتيجية «التيسير التجاري» التي تنسجم كل الانسجام مع نموذج الشراكة الاستراتيجية الذي نتحدث عنه.

وإذا كان من حق الغرفة اليوم أن نعتز بمواقفها ومساهماتها، فإن من واجبها قبل ذلك ومن قبل الإقرار بالفضل لأهل الفضل، أن نذكر بالإعجاب والتقدير أن هذا الإنجاز الكبير جاء - بعد توفيق الله - بفضل الدبلوماسية الاقتصادية التي قادها بكل حكمة وأناة ونشاط سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه.

وانتهت الغرفة الى أن: أما وأن الزيارة قد انتهت، وأن الأسس قد وضحت فقد وجب أن يبدأ العمل الآن، على الفور، ومن منطلقات تدفع بها الثقة دون أن تبعدها عن الموضوعية وبطموحات يعمرها الاستبشار دون أن يغشاها الانبهار وبوتيرة دؤوب وتنظيم لا يغيب عن القطاع الخاص.