أسدلت الستارة على النسخة الحادية والعشرين من كأس العالم في كرة القدم، في ختام مهرجان كروي استمر شهراً، وساهم في تبديل مفاهيم بالنسبة إلى الدولة المضيفة، وإحياء الأمل على المستطيل الأخضر لعدد من منتخبات "المستضعفين" كروياً.

ولكثيراً ما خيمت المخاوف من العنصرية والعنف والأزمات الدبلوماسية على الاستضافة الروسية للمونديال، الذي انطلق في 14 يونيو، إلا أنه منذ صافرة البداية، كانت التجربة إيجابية لما يقدر بأكثر من مليون مشجع أجنبي حضروا إلى روسيا، بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

Ad

وغصت شوارع موسكو والمدن العشر الأخرى المضيفة بجماهير من كل أنحاء العالم، خصوصا تلك القادمة من أميركا اللاتينية بأعداد كبيرة، لمتابعة ما اعتبرها رئيس الـ"فيفا" جاني إنفانتينو "أفضل كأس عالم".

في حين كان حضور الجمهور من دول الغرب أقل عدداً لأسباب عدة تتقدمها العلاقات المتوترة بين روسيا ودول غربية عدة، الا أن المشجعين الإنكليز كانوا من بين الأوروبيين الذين انتقلوا الى روسيا في القسم الأخير من البطولة، بعدما شاهدوا منتخبهم يواصل التقدم فيها (حل رابعا).

وبعدما كانوا يتوجسون من التعرض لاعتداءات من قبل المشاغبين الروس، تبدلت نظرة الجمهور الإنكليزي لروسيا، وسيغادر أفراده البلاد بانطباع مماثل للذي تحدث عنه مدرب منتخبهم غاريث ساوثغيت.

وقال الأخير بعد الخسارة أمام بلجيكا (صفر-2)، في مباراة تحديد المركز الثالث في سان بطرسبورغ، أمس الأول "كان تنظيم البطولة لائقاً، وكان الترحيب بنا في كل المدن التي حللنا فيها في روسيا رائعا".

وتابع "تحدث كثيرون عن العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا، إلا أنني على الصعيد الشخصي، وبعد التواصل مع الناس، أقول انه لم يكن ممكنا ان نلقى استقبالا أفضل من الذي حظينا به".

وسواء كانت هذه افضل كأس عالم كما اعتبرها إنفانتينو أم لا، فثمة حقيقة ثابتة، أن روسيا قدمت عرضا رائعا، وحظي العالم بكرة قدم لن ينساها.

في الجانب الفني، كان عدد الأهداف (الى ما قبل المباراة النهائية) أقل مما شهدته النسخة السابقة في البرازيل قبل اربعة اعوام (163 هدفا حاليا مقابل 173 في البرازيل)، الا ان مباراة واحدة في النسخة الحالية انتهت بالتعادل السلبي وكانت بين فرنسا والدنمارك في ختام الدور الاول للمجموعة الثالثة.

المخاوف الأولية بشأن اعتماد تقنية المساعدة بالفيديو في التحكيم ("في ايه آر") كانت أقل من المتوقع، على رغم بعض الاختلاف في وجهات النظر الذي رافق مرحلة دوري المجموعات.

ولعل الأمر الأكثر اثارة للانتباه، هو السباق الكروي الرائع حتى المباراة النهائية من قبل المنتخب الكرواتي، في مقابل الخروج المبكر لمنتخبات مرشحة مثل المانيا (حاملة لقب 2014)، واسبانيا والأرجنتين، ما عكس صورة مختلفة لكرة القدم على صعيد المنتخبات حيث يصعب التكهن سلفا بالنتائج، على نقيض المسابقات القارية، لاسيما على مستوى الأندية.

كان مفترضا ان تكون النهائيات الحالية الفرصة الأمثل للارجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، وحتى البرازيلي نيمار، لإحراز اللقب للمرة الأولى. الا ان البرازيل خرجت من الدور ربع النهائي، فيما خرجت كل من الارجنتين والبرتغال من ثمن النهائي. ومع تخطي كل من ميسي ورونالدو عتبة الثلاثين، ربما يكون فاتهما القطار لإحراز الكأس.

الفرنسي كيليان مبابي، والبلجيكي إدين هازار، والكرواتي لوكا مودريتش تألقوا، من دون ان يفرض أي منهم نفسه نجما أوحد للبطولة.

قال مدرب كرواتيا زلاتكو داليتش ""بالنسبة إلي، ميسي هو افضل لاعب في العالم، ونيمار قريب جداً منه من حيث الترتيب، وقد ودعت كل الفرق المدججة بالنجوم، والتي اعتمدت بشكل حصري عليهم، البطولة باكرا وعادت الى ديارها".

وأضاف "أما الفرق المدمجة والمتحدة، والتي حاربت من اجل شيء ما، فقد كان مشوارها أطول. وربما كانت هذه إحدى أغرب النهائيات في تاريخ كأس العالم".

وبدا انه من غير المجدي، خصوصا مع الاقتراب من الختام، ان يضع بلد ما خططا طويلة الأمد لتحقيق النجاح.

على سبيل المثال، كرة القدم في كرواتيا تعاني مشكلات بنوية وسياسية. داليتش نفسه تولى منصبه قبل مباراة من نهاية التصفيات الأوروبية المؤهلة (قاد بعدها الى الملحق وتأهل على حساب اليونان)، لكن بفضل تأثيره ووجود بعض اللاعبين الجيدين تمكن المنتخب الكرواتي من الذهاب بعيدا في البطولة.

وقال المدرب الإسباني للمنتخب البلجيكي روبرتو مارتينيز "سيكون مصدر إلهام لأي شخص في هذا العالم إذا أحرزت كرواتيا اللقب. عندها يجب ان تكون قادرا على القتال لتحقيق أحلامك".

لقد أعطت كرواتيا الأمل للدول الصغيرة التي تتطلع لمحاكاة النجاح في كأس العالم، خصوصا مع دخول البطولة مرحلة جديدة بإقامة نهائيات النسخة 22 في قطر بين نوفمبر وديسمبر 2022، ورفع عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات إلى 48 في نسخة 2026 التي تستضيفها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.