في زيارة لسمو الأمير الأسبوع الفائت إلى الصين، وقعت الكويت معها بروتوكولات تعاون تمثل بداية الخطوات العملية لمشروع «كويت جديدة»، وأولى تلك الخطوات كان ما أعلن حول مشروع مدينة الحرير شمال الكويت، ومشروع تطوير الجزر الكويتية، وتحديداً فيلكا وبوبيان. نُشرت بعدها في وسائل الإعلام المختلفة أرقام وتفاصيل معظمها حالم وغير صحيح، مثل استعداد الصين لإنفاق 200 مليار دولار لإنشاء مدينة الحرير، ووديعة الـ 50 مليار دولار من الصين لضمان التزامها، وتملك جزر على مدى 99 عاما، وضمان الصين لأمن الكويت إلى الأبد، والكثير غير ذلك، وتلك محض أوهام، وما يعنينا ما هو أهم من ذلك.

وقال التقرير الأسبوعي الصادر عن شركة الشال للاستشارات، إن الشراكة مع الصين توجه صحيح، لأن الصين نفذت مشروعا تنمويا جبارا وغير مسبوق، بدءاً من عام 1980، وفي بلد كان الأكبر سكاناً والأفقر موارد والأكثر تخلفا، واليوم هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبفارق كبير عن الثالث، مع معدل نمو حقيقي بنحو ثلاثة أضعاف معدل نمو الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصادات العالم، ما يعني رياضياً أنها ستأخذ مكانه في حوالي عقد من الزمن. وأشار التقرير إلى أنه في عام 1980، كانت الكويت أكثر تقدماً من الصين، وكان حجم الاقتصاد الصيني الاسمي نحو 305.3 مليارات دولار، فيما كان حجم الاقتصاد الكويتي يومها 28.7 مليارا، أو نحو 9.4 في المئة من حجم الاقتصاد الصيني.

Ad

ولفت إلى أنه في عام 2017، بلغ حجم الاقتصاد الصيني نحو 12.015 مليار دولار، أي تضاعف نحو 40 مرة، وبلغ حجم الاقتصاد الكويتي نحو 120.4 مليارا، معظمه نفط خام ومضاعفاته، أي تضاعف نحو 4 مرات، وبلغ حجمه 1 في المئة من حجم الاقتصاد الصيني.

وأوضح التقرير أن ما صنع ذلك الفارق لمصلحة الصين، ليس حجم الموارد الطبيعية، لأنها انخفضت لديها، بل ذكاء الإدارة وصلابة الإرادة، فيما الكويت تخلفت في إجماع مؤشرات التنمية وسلامة بيئة الأعمال، وحتى تخلفت بموقعها التنافسي في هدفيها المعلنين في عام 2001 حول تحولها إلى مركز مالي ومركز تجاري متفوق.

وأضاف «الشال»: «إذن، الشراكة مع الصين صحيحة، ليس فقط لما حققته في الماضي القريب، بل لما لديها من أهداف واضحة للمستقبل، فإلى جانب إصرارها على التفوق اقتصادياً، حيث يقدر صندوق النقد الدولي أن يضيف اقتصادها أكثر من 7 تريليونات دولار بحلول عام 2022، لها خطط تفصيلية للتفوق؛ فضائياً وسياحياً ورياضياً وثقافياً».

وتابع: «ما يفترض طرحه في الكويت، ليس أرقاماً فلكية وإنجازات وهمية سريعة لا سند لها، كما يتداول حالياً، بل استعراض تفصيلي لما يمكن أن يتحقق، مثل رقم وماهية فرص العمل المواطنة الناتجة عن الشراكة، وهي الأهم، بدلاً من ذكر رقم إجمالي بحدود 200 – 300 ألف فرصة عمل لا نعتقد بصحته».

وقال إن ما يفترض نقاشه، هو ذلك الأثر البيئي الناتج عن المشروع، وتحديداً في جزيرتي بوبيان وفيلكا، وهما كل ما تبقى بيئياً، بعد العجز البائس عن حماية جون الكويت، ثاني أفضل حاضنة أحياء مائية في العالم، وما يفترض أن يناقش هو ضرورة أن يشمل المشروع والإفادة من التجربة الصينية في مواجهة الفساد وإعادة بناء بيئة أعمال سليمة والتعليم المتفوق وقيم العمل والانتاج، وتحسين تكلفة وأداء البنى التحتية.

وأردف: «لعل العجز الحالي في الكويت عن إدارة شركة طيران ومطار وميناء، أمثلة على الفروق الشاسعة في الإدارة والإرادة ما بين الفريقين».

وأضاف: «باختصار، الإفادة من التجربة الصينية أمر طيب، لكن على الطريقة الصينية، أي التعامل مع واقع الأمور بصدق وانضباط، وليس بيع أحلام وهمية، كما كان حال مشروعي المركز المالي والتجاري، فما هو مطلوب ليس أكثر من بداية صحيحة وصارمة. وللعلم، لدى الصين مشروعات مماثلة حول العالم، وتحديداً في الدول التي لديها مخزونات المواد الأولية، ضمن استراتيجية طويلة المدى لضمان تفوق صيني في المستقبل، فهم لا يوزعون صدقات، وليس لديهم فائض عواطف، بل مصالح، وهو أمر مشروع لابد من فهمه للتعامل معه».