في شهر يونيو الماضي أعلنت تركيا والولايات المتحدة وصولهما إلى اتفاق حول تطبيق خريطة طريق لتعزيز السلم في مدينة منبج السوريّة الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية منذ عام 2016 بعد طرد تنظيم الدولة منها، وجاء هذا الاتفاق التركي – الأميركي ضمن مساعي الولايات المتحدة لإرضاء تركيا - حليفتها الاستراتيجية - بعد فترة طويلة من توتر العلاقات بشكل كبير بين الطرفين، فهل سيؤثر هذا الاتفاق سلباً على العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد في سورية الذين لا يزالون يقاتلون تنظيم الدولة في ريف مدينة دير الزور، وكذلك يحكمون مناطق كثيرة تم انتزاعها من تنظيم "داعش" وأهمها الرقة ومناطق أخرى كثيرة في شرق الفرات؟

عقِب إعلان الاتفاق بوقت قليل ظهرت مواقف من قبل قيادات سياسية كردية أعلنت نيتها التفاوض مع النظام السوري، كردة فعلٍ على خريطة الطريق التركية - الأميركية، ومنها تصريحات لصالح مسلم الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي لوكالة الأنباء الألمانية، قال فيها: "إذا توافقت مصالحنا مع الأميركيين فسنسير معهم… وإذا توافقت مع الروس فسنسير معهم، وإذا توافقت مع الأسد فسنسير معه". وأبدى مسلم تأسفه على قيام الولايات المتحدة بعقد اتفاق حول منبج مع تركيا. كما أعلنت إلهام احمد الرئيسة المشتركة لمجلس سورية الديمقراطي، الجناح السياسي لقوات سورية الديمقراطية، عن استعدادهم للتفاوض مع النظام السوري دون شروط مسبقة.

Ad

جاءت هذه التصريحات لتعلن الاستياء الكردي من خريطة الطريق في منبج، ولكن من الملاحظ أنّ هذه التصريحات جاءت من شخصيات سياسية فقط حتى الآن، وهم عادة أقل سلطةً، وتأثيراً من القيادات العسكرية التي ما زالت تنسق بشكل كبير مع الولايات المتحدة في قتالها ضد تنظيم "داعش".

إضافة إلى ذلك، فَإِنَّ نجاح أي اتفاق بين الأكراد والنظام في مناطق شرق الفرات يستلزم موافقة أميركية، لأنّ القواعد والقوات الأميركية المنتشرة في تلك المنطقة قادرة على إفشال أي اتفاق ثنائي أو ثلاثي أو رباعي بين النظام، وقوات سورية الديمقراطية، وروسيا، وإيران، كما أنه من المستبعد "منطقياً" دخول الأكراد في تحالفات مع النظام والروس، وهم يعلمون أنّ ذلك الحلف لن يعطيهم من الكعكة السورية إلا القليل.

ومع ذلك، قد تدفع الأحداث الأخيرة في تركيا القوى الكردية السورية للتعاون مع إيران على الرغم من المساوئ الواضحة لهذا الخيار، كما قد تؤدى الحملة التركية الأخيرة على معاقل حزب العمال الكردستاني في "قنديل" إلى زيادة التنسيق بينهم وبين الإيرانيين الذين عادةً ما يدعمون حزب العمال الكردستاني في حربه ضد تركيا وخاصةً بعد الثورة السورية عام 2011.

وقد يؤدي تعاونهم في قنديل إلى تقديم تنازلات للإيرانيين في سورية، ومن شأن ذلك إن حدث أن يضر بمصالح الولايات المتحدة، ويقوي النظام وحليفتيه روسيا وإيران في مناطق شرق الفرات، لاسيما إذا تمكن النظام والإيرانيون من التواصل بأريحية مع العشائر العربية في الرقة وريف دير الزور والحسكة، والتي أصبحت تفكر جدياً في العودة لحضن النظام السوري بعد التقدم العسكري الذي حققه جيش الأسد في مناطق دمشق وحمص، وأيضاً بعد العملية التركية في عفرين. وقد أصبح هذا الخيار أكثر إغراءً خصوصاً بعد إطلاق خريطة طريق منبج التي زعزعت ثقة العشائر العربية بحلفاء الولايات المتحدة، وربما تسمح للنظام السوري بإعادة تعبئة قاعدته الشعبية التي خسرها.

أما الأكراد فعليهم الحذر والتأني قبل دخول أي مغامرات خاسرة مع النظام وحلفائه الروس والإيرانيين في سورية، فقد أثبتت روسيا أنها حليفة غير مخلصة في كثير من الأماكن وآخرها كان في عفرين، حيث تساوم موسكو الآن الأتراك على (تل رفعت) والمناطق المحيطة بها.

كما ينبغي على قوات سورية الديمقراطية وقياداتها من الأكراد الابتعاد عن تأثير قيادات "قنديل" على قرارهم بما يخص سورية، فاستيراد الخلاف التركي – الكردي من "قنديل" إلى سورية لن يضيف سوى التعقيد في قضية أكراد سورية وشرق الفرات عموماً، ولاسيما بعد فوز إردوغان بالانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي من المتوقع أن يعقبها ازدياد الضغط التركي على الولايات المتحدة وحلفائها بخصوص من تسميهم أنقرة أنهم فرع لحزب العمال الكردستاني في سورية. وبالتالي فإن نأي الأكراد عن تلك المنظمات، خاصة حزب العمال الكردستاني، سيسهم بشكل كبير في تخفيف الضغوط التركية.

رسائل تطمينية

يجب أن تدرك واشنطن أنّ أي تنسيق بين الأكراد وروسيا سيضعف النفوذ الأميركي في سورية عموماً، لذلك على الولايات المتحدة أن تعي وجود مثل هذا الخطر، ولكي تتجنب تصرفات ومغامرات خاطئة من قبل الأكراد عليها أن تبعث برسائل تطمينية مفادها بانها لن تتخلى عنهم، الأكراد حلفاء مخلصون للولايات المتحدة في سورية، وبإمكانها الاستفادة منهم لحماية مصالحها في سورية عموماً وشرق الفرات خصوصاً، لا سيما وأنهم بحاجة إلى دولة تحميهم. كما يتوجب أيضا على الولايات المتحدة أن تتوخى الحذر بعد قيام قيادات كردية سياسية وعسكرية بالضغط للوصول لاتفاق مع النظام في مناطق القامشلي والحسكة وحتى بريف دير الزور ومدينة الرقة، ولا سيما إذا علمنا أنّه مازال هناك عدد من القيادات الكردية تربطهم علاقات جيدة ووثيقة مع النظام السوري وإيران وروسيا.

سيكون من المفيد أيضا أن تعمل الولايات المتحدة على إقناع الأكراد بالتأثيرات الإيجابية لخريطة الطريق في منبج على استقرار الأوضاع في شرق الفرات حيث تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، ومحاولة إقناعهم بالابتعاد عن "قنديل" والحد من تأثيرها على مصدر القرار.

● عبد الرحيم سعيد

* صحفي سوري كردي وباحث في الشؤون الكردية.