قبل عدة أيام زار رئيس جهاز الشين بيت نداف أرغامام رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك في شقته في أحد أحياء تل أبيب الراقية، وكان هدف هذه الزيارة إطلاع باراك على تحذيرات جدية تتعلق بتخطيط جماعات مسلحة مدفوعة أو مستلهمة من إيران على الأقل للقيام بمحاولة إلحاق الأذى به خلال إحدى جولاته الخارجية.

وقد نشر هذا اللقاء غير العادي تلفزيون إسرائيل في الثالث من الشهر الجاري، وأثار قضية حساسة تتعلق بحماية الشخصيات الإسرائيلية العامة أثناء وجودها في الخارج وبصورة عامة أيضاً، وبحسب سياسة إسرائيل الحالية فإن رؤساء الوزارات والشخصيات الأمنية السابقين يحق لهم الحصول على حماية (في صورة حرس شخصي) خلال أول خمس سنوات بعد ترك مناصبهم الحكومية، وبعد أول سبع سنوات خلال وجودهم في الخارج.

Ad

ويوجد في إسرائيل اليوم رئيسان سابقان للحكومة، وعلى الرغم من أن إيهود باراك وإيهود أولمرت لم يعودا مؤهلين لهذه الحماية الأمنية فإنهما يقومان بجولات حول العالم من دون أي نوع من الحماية، وكان الرجلان قد اطلعا خلال عملهما على أكثر الأسرار حساسية المتعلقة بنظام الأمن في إسرائيل وتوجيه ضربة ناجحة إلى أحدهما يشكل أحد أكبر الكوابيس بالنسبة الى أجهزة الأمن الإسرائيلية.

الشيء الوحيد الأسوأ من ذلك هو الاختطاف، وكان باراك خدم أيضاً رئيساً للأركان كما ترأس أولمرت إسرائيل خلال السنوات الصعبة عندما التهبت الجبهة الإيرانية، وعلى الرغم من ذلك يسافر الرجلان حول العالم بمفردهما ومن دون حماية.

ويتزود باراك بمسدس عندما يكون في رحلة خارجية، وحتى وهو في الخامسة والسبعين من العمر اليوم يشتهر بدقة الإصابة، وعلى العكس من ذلك، يبرع أولمرت في الثرثرة وهو بخلاف باراك يحب السفر الى آسيا- وخصوصا الدول الإسلامية مثل كازاخستان وجاراتها- ومن دون حراسة شخصية، كما يتوقف أولمرت في أغلب الأحيان في إسطنبول كمحطة توقف ومطارها الضخم يقع في قلب دولة إسلامية، وانتقل في الآونة الأخيرة إلى مدينة سوتشي حيث حضر إحدى مباريات مونديال روسيا، ويقوم في العادة بهذه الرحلات بمفرده على الرغم من أن أحد المساعدين الشخصيين يرافقه في بعض الأوقات.

ويعتبر باراك وأولمرت من الأهداف السهلة، وهذا يفسر سبب لقاء باراك وأرغمان وجهاً لوجه، وفي نهاية ذلك الاجتماع كان من المتوقع أن توصي لجنة وزارية خاصة إسرائيلية مكلفة بهذه القضية برئاسة وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس بمنح الرجلين حماية أمنية مشددة بصورة دائمة، أو الى العشرين عاماً المقبلة على الأقل.

باراك يعرض مسدسه

في غضون ذلك نشر باراك على حسابه في إنستغرام ولأول مرة صورة لمسدسه بشكل واضح وعلى طريقة الغرب الأميركي، وتجدر الإشارة إلى أن باراك قال في سنة 2017 إنه يحمل مسدساً في جراب يستطيع من خلاله استخدامه بسرعة، ويبدو الآن أن المسدس انتقل من الجراب إلى الحزام.

وارتبطت إعادة فرض الحماية الأمنية المشددة على باراك وأولمرت بتسوية حسابات بين إسرائيل وإيران، وفي الوقت الراهن ترتفع فاتورة إيران في هذا الصدد، وقد وجهت تل أبيب عدة ضربات الى إيران وعملائها أو مصالحها في كل الجبهات النشطة بين البلدين: في شمال سورية وفي الجنوب السوري وعلى الجبهات الدبلوماسية والاستخباراتية الدولية. ويشمل هذا نقل ملفات إيران النووية من العاصمة طهران الى مقر الموساد. وحتى عندما حاولت إيران الرد بتوجيه ضربة عسكرية وأطلقت العشرات من الصواريخ من منطقة الجولان المحتل في سورية على إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها، وسقط معظم الصواريخ على أرض سورية فيما تم اعتراض الصواريخ الأخرى. وفي غضون ذلك، انتهزت إسرائيل هذه الفرصة من أجل توجيه ضربات مدمرة الى قوات الرئيس السوري بشار الأسد.

وليس لدى إسرائيل أي أوهام وهي تعرف سعي إيران وكذلك حزب الله الى تسوية الحساب مع إسرائيل، أو تغيير ميزان القوة معها لصالحهما على الأقل. ونظراً لأن إيران في وضع غير مريح عسكرياً في الجبهة الشمالية ضد القوات الإسرائيلية تعتقد أجهزة استخبارات تل أبيب أن إيران وحزب الله سيركزان جهودهما على توجيه ضربات ضد أهداف إسرائيل ومصالحها في الخارج، وقد حققا الكثير من النجاح في هذا الجهد في الماضي وربما يحاولان إلحاق الأذى بشخصيات إسرائيلية رفيعة في الوقت الراهن.

تبادل الضربات

وبحسب تقييمات مصادر إسرائيلية معنية فإن توجيه ضربة الى شخصية أمنية إسرائيلية رفيعة يحتل مركزاً متقدماً على قائمة أولويات إيران. كما أن أصابع الاتهام وجهت الى إسرائيل في حادثة قتل الجنرال الإيراني في الحرس الثوري محمد علي اللاهدادي في شهر يناير من عام 2015 في منطقة القنيطرة السورية.

وفي سنة 2008 نسب الى إسرائيل أيضاً حادث اغتيال عماد مغنية وهو شخصية بارزة في حزب الله، كما قتل ابنه جهاد في غارة جوية في سورية في سنة 2015 نسبت إلى إسرائيل، ويمكننا أن نضيف الى القائمة مقتل سمير القنطار في سنة 2015 الذي كان معتقلاً في إسرائيل وأطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى في سنة 2008، وبعد إطلاق سراحه عاد القنطار إلى لبنان وحاول تشكيل بنية تحتية معادية لإسرائيل في الجولان السوري المحتل.

وعلى الرغم من أن محاولات الانتقام الإيرانية السابقة لم تنجح فإن إسرائيل تعتقد أن حزب الله والحرس الجمهوري الإيراني لم يتخليا عن فكرة مهاجمتها وقتل أحد كبار ضباط الجيش أو الاستخبارات (سواء من العاملين أو المتقاعدين) وخصوصا شخصية مثل باراك أو أولمرت.

انتقادات حادة

ويضاعف من سوء تقدير الوضع أن باراك وأولمرت كانا يسافران حول العالم لسنوات طويلة من دون حماية على الإطلاق وهو ما قوبل بانتقادات حادة في إسرائيل، وخصوصا مع توفير حماية طوال الوقت لولدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يائير وأفنير حيثما تنقلا وهما يتمتعان بحراسة شخصية خلال أسفارهما في الخارج، وهو ما يكلف إسرائيل الكثير من المال على الرغم من عدم حصولهما على مستوى الدعاية، كما هي الحال بالنسبة الى باراك وأولمرت بحكم منصبيهما السابقين.

ويرجع ذلك الى أن اللجنة المهنية المكلفة بأمن وحماية الشخصيات في إسرائيل تتعرض لضغوط شديدة من جانب عائلة رئيس الوزراء نتنياهو، وهكذا فقد كلفت هذه اللجنة بتوفير الحماية لأفراد العائلة وليس إلى أولاد رؤساء حكومات سابقين.

في غضون ذلك، ومن هذا المنطلق، لن يتمتع باراك وأولمرت بأي نوع من الحماية الأمنية على الإطلاق.

تسوية الحسابات

وفي الوقت الراهن ونتيجة التحذيرات والإنذارات التي صدرت في الآونة الأخيرة والمتعلقة باحتمال تعرض رؤساء الحكومات السابقين في إسرائيل للخطر أصبح لدينا الانطباع الذي يشير الى أن هذه الحالة الغريبة ستنتهي عما قريب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو متى، إذا حدث أساساً، ستتم تسوية الحسابات بين إسرائيل وإيران، وكيف سيتحقق ذلك على أي حال؟