كان الشيخ عبدالله الجابر صاحب دور بارز في احتضان فكرة تأسيس النادي الأدبي عام 1924، ويقول في مقابلة صحافية متحدثا عن النادي وأدباء الكويت: "كانت بداية التفكير في جلسة اعتيادية مع مجموعة من الزملاء عندي في الديوان، ولقد رأينا أن البحرين فيها ناد للشباب، واقترحنا في تلك الجلسة أن نؤسس النادي، فتم تأسيسه عام 1340هـ على ما أذكر واستأجرنا (ديوان الجوعان) في الحي القبلي، وكانت كل حفلاتنا فيه، والنادي كان يضم بين أعضائه من هم خطباء وشعراء وأدباء، أضف إلى ذلك النشاط الرياضي الذي كان يمارس فيه أيضا، وكان المدير هو المرحوم عيسى الصالح القناعي، والد خالد العيسى، وزير الأشغال السابق، وكان شابا قويا حازما وذكيا، وتتمثل فيه، رحمه الله، مقومات الإداري الناجح". (عام 1340هـ يعادل في الواقع العام الميلادي 1921).

وعن الاشتراك الشهري قال: "كان النادي في بدايته يأخذ اشتراكا شهريا من العضو، ثم جعلنا الاشتراك مجانا لحاجتنا إلى أعضاء للنادي، وفعلا زاد إقبال الشباب علينا، وسار النادي في طريقه كما يجب، وكنا نرتدي (بدلة إفرنجية) في كل مناسبة تقام داخل النادي، ومعها العقال والغترة".

Ad

(رجال في تاريخ الكويت، يوسف الشهاب، ج1، 1984، ص216).

وعن معايشة الشيخ لرجال ذلك العصر استطرد متحدثا عن علاقته بهم فقال: "لقد عاصرت أدباء الكويت القدامى، وأحسن من جالستهم من الأدباء المرحوم يوسف العدساني والد محمد وعبدالعزيز العدساني، رئيسي مجلس الأمة والمجلس البلدي، وقد كان والدهم أمينا للصندوق معي في البلدية، والرجل أديب وشاعر ومتأثر جداً بأبي العلاء المعري، وهناك أيضا حمد المناعي، الذي أعتبره متنبي الكويت". (ص220).

ووجد النادي كذلك دعما من الشيخ أحمد الجابر، الذي كان قد سمح للمؤرخ الرشيد بإصدار كتابه "تاريخ الكويت" الذي طبع في بغداد سنة 1920، وأن يصدر كذلك "مجلة الكويت"، ولم يخلُ الكتاب أو المجلة من المواد التي كانت السلطة السياسية تفضل عدم تطرق المؤرخ إليها، ولا شك أن هذا كله خفف بعض الشيء من نظرة الأوساط المحافظة في الكويت واعتراضها على مؤسسة مستحدثة كالنادي، "بسبب ما كان يحيط بكلمة النادي آنذاك من ضلال، كما أن النادي موضع نقد وارتياب". (الجريد ص 79).

وكان للبحرين دورها في نقل فكرة إنشاء النادي الأدبي إلى الكويت من خلال زيارة المثقفين الكويتيين للبحرين، وبخاصة أن بعض هؤلاء قد اختار الاستقرار فيها مثل الشاعر خالد محمد الفرج الذي زارها في عام 1922 وأُعجب بأدبائها ونهضتها الفكرية، بل تولى هناك سكرتارية "المعارف"- وكيل وزارة التربية بمصطلحات اليوم- عام 1925، كما تولى سكرتارية بلدية المنامة، وكان يبعث إلى أبناء وطنه في الكويت "قصائد لتحفيزهم على إنشاء المشاريع الثقافية والنهوض بالعلم". (د. الجريد، ص76).

ويضيف الباحث عن التأثير البحريني في إصلاحات تلك المرحلة في الكويت: "والجدير بالذكر أن فكرة تأسيس البلدية في الكويت أيضا جاءت من البحرين، عندما زارها الشيخ يوسف بن عيسى القناعي عام 1928م ليستطلع حالتها التجارية، ووجدها تهتم بالنظافة، وذلك يرجع إلى وجود (المجالس البلدية) التي أنشئت فيها عام 1919م، الأمر الذي جعله يكتب مقالا نشره في (مجلة الكويت) في ربيع الأول 1347هـ أغسطس 1928م يتناول فيه التغيرات التي طرأت على البحرين من ناحية الخدمات العامة، فكان لهذا المقال دور في تأسيس البلدية في الكويت". (د. الجريد، ص77).

وكانت المؤسسات الثقافية والأندية الكويتية- وخصوصا الثقافية- تتعرض في أحيان كثيرة للضغوط والحل بسبب اتهامها بالخوض في الأمور السياسية، وكان بعض الأدباء يدرك صعوبة الجمع بين مستلزمات النقاش الحر من جانب والتحذيرات الحكومية من جانب آخر.

وكان الأديب عبدالحميد عبدالعزيز الصانع قد استقال من "المكتبة الأهلية" التي كانت قد تأسست سنة 1923 وكان صاحب فكرة تأسيسها، "في مجتمع لم تكن فيه يؤمنذ سوى أربع مكتبات لأشخاص معينين، وكانت في مجموعها لا تملك أكثر من بضعة آلاف من الكتب أكثرها مكرر، فكانت كلمة (مكتبة عامة) غريبة على أسماع الناس". (الجريد اقتباسا عن مذكرات الشيخ عبدالله النوري، ص 36).

وقد أوضح الصانع في مقابلة صحافية بمجلة النهضة 3/ 7/ 1971، كما يورد د. الجريد، بعض ما كان يدور في "المكتبة"، فيقول: "إن الأبحاث التي تدار في المكتبة الأهلية بعيدة كل البعد عن أمور الأدب، وتتركز على إصلاح البلد وما يحتاجه وما يفيده من أعمال تفيد المواطنين". (د. الجريد، ص80).

كان الأديب عبدالحميد الصانع من الذين استشيروا كذلك في أمر تأسيس النادي الأدبي، حيث اتصل به عدد من الشباب فقدم لهم نصيحة قيمة تحمل خبرة ناضجة، ويقول، كان الشباب راغبين في تأسيس ناد لهم، وقد أيدتهم على هذا المشروع، "إلا أنني نصحتهم بأن يطلبوا من الشيخ عبدالله الجابر أن يكون عضوا في النادي، وكذلك السيد رجب الرفاعي". وهكذا ظهر النادي الأدبي إلى الوجود.

وتغلب المؤسسون على المشاكل المادية ومصاريف التأسيس، إذ "تبرع الخيرون وأعضاء النادي لإنشائه، كذلك تبرع له المحسنون بكثير من الكتب النافعة".

ونتيجة لكل هذه الجهود، يقول د.الجريد، "تم تأسيس النادي الأدبي، واستأجر له ديوانية عائلة الجوعان التي تقع في الحي القبلي لتكون مقرا له، والتي أصبحت فيما بعد مدرسة خالد بن الوليد، واعتبر أول ناد أدبي يؤسس في الكويت، كما يعتبر من أولى مؤسسات المجتمع المدني الكويتية". (ص82).

ومما لفت نظر الباحث واسترعى اهتمامه اختيار إدارة النادي، يقول د. الجريد: "أما عن كيفية اختيار إدارة النادي فقد جاءت عن طريق انتخابات ففاز برئاسته الشيخ عبدالله الجابر والأديب عبدالحميد الصانع بمنصب نائب الرئيس ومحمد أحمد الغانم بمنصب أمين الصندوق، كما انتخب عيسى الصالح المطوع مديرا للنادي ومحمد سليمان العتيبي سكرتيرا. وقد ذكر عبدالحميد الصانع أن رئاسة شرف النادي أسندت للشيخ عبدالله الجابر لما عرف عنه من ميل إلى الأدب والأدباء". ويعلق د. الجريد على طريقة اختيار الإدارة بالقول: "إن وجود العملية الانتخابية لمجلس إدارة النادي تعد خطوة متقدمة في منطقة قلما نجد فيها نوعا من هذه التجارب".

ويتبين مما يورده الباحث أن عدد أعضاء النادي، بتقدير السيد خالد العدساني، "كان لا يقل عن مئة شاب ناشئ وغير ناشئ من الكويتيين"، ويبدي الباحث تحفظا على هذا العدد فيقول: "قد يكون ما قاله العدساني من ناحية أعداد الأعضاء كان فيما بعد إنشائه بفترة، فبعد افتتاحه أخذت صورة لأعضائه وكان واضحا أنهم لم يكونوا بهذا العدد".

ويقول د. الجريد معلقا على الصورة المعروفة لأعضاء النادي الأدبي لعام 1924، حسب ما ورد في مجلة الرائد الكويتية، العدد التاسع فبراير 1953 هم كما يلي: "أعضاء النادي الأدبي الذي افتتح عام 1342هـ الموافق 1924م وهم: الصف الأول من اليمين: سليمان الفاضل، وسرحان زيد السرحان، ومحمد سليمان العتيبي، وعبدالمحسن السيد عبدالله، وعبدالله الفلاح، ومحمد البراك، وسيد محمد سيد عمر.

الصف الثاني: حسن زيد النقيب، وسعد المانع، والشيخ عبدالله الجابر رئيس النادي، وخالد أحمد المشاري، والشيخ عبدالله الخليفة الصباح، وحجي بن جاسم الحجي.

الصف الثالث: عبدالرحمن إسحاق، وسعدون اليعقوب، وعبدالله زيد الخالد، وعبدالحميد الصانع، وإبراهيم جابر الفاضل (وأحمد السكوني، ولم يكن عضوا بالنادي)". (د. الجريد، ص145).

كان افتتاح النادي، كما ذكر عبدالله الحاتم، في شهر رمضان 1342هـ، 30 أبريل 1924، وقد حيا المؤرخ الرشيد الشباب في ذلك الاحتفال واستنهض روحهم الوطنية بقصيدة من أبياتها:

يا شباب القوم هيا

نبني للأوطان مجدا

إن للأوطان حقا

دونه الأرواح تُفدى