أتمنى ذكرى استقلال سعيدة للأميركيين القلائل المتبقين في موسكو، فلا ننسى أن الأوضاع لم تكن دوماً بهذا السوء، على العكس كانت جيدة جداً، وقد لا تكون اليوم بالسوء الذي تبدو عليه، مع أنها متردية جداً على بعض المستويات.

لا يزال الميل الروسي إلى السلع الأميركية مستمراً بلا هوادة، فقد تفوقت "الهمبرغر" على "السوشي"، فغدت الطبق الذي لا تخلو منه قائمة الطعام في أي مطعم، كذلك لا تزال المطاعم الأميركية الطراز تلقى شعبية كبيرة وانتشاراً واسعاً. على نحو مماثل يبدو الجيل الجديد من المحترفين الروس مأخوذاً بالطابع العصري، والشركات الناشئة، ووادي السليكون، والتعطيل، وكما يؤكد معظمنا نحن- الأميركيين- المقيمين في روسيا، لم تكن معاداة الولايات المتحدة يوماً شخصية، مهما بلغت الأوضاع السياسية من السوء، لكن المشكلة تكمن في أن عددنا نحن- الأميركيين- ما عاد كبيراً لنؤكد ذلك. يعتقد معظمنا أن نحو 80% من الأميركيين الذي كانوا يقيمون من قبل في روسيا قد رحلوا خلال السنوات الأربع الماضية.

Ad

عندما وصلت أول مرة إلى موسكو في أواخر تسعينيات القرن الماضي، كانت الأسطورة الأميركية وافتتان روس كثر بالولايات المتحدة في أوجهما، وكانت الأوضاع ممتازة.

قبل عشرين سنة، كان عدد المطاعم للفرد الواحد قليلاً جداً في موسكو، وشكّل مطعم "ستارلايت" في محطة مترو ماياكوفسكايا المركز الاجتماعي في موسكو بالنسبة إلى مجتمع المغتربين، وقبل سنوات نجحت مجموعة من رجال الأعمال الأميركيين في إقحام مطعم الوجبات الخفيفة الأميركي الأصلي هذا وسط حديقة "أكفاريوم"، علماً أنهم كرروا هذه التجربة مرات عدة بنجاح، ولكن بعدما خرجت روسيا من مرحلتها المضطربة في تسعينيات القرن الماضي وشهدت موسكو ولادة طبقة وسطى أكثر رقياً كانت تنمو بسرعة، أُقفلت مطاعم كثيرة واستُبدلت بأخرى أكثر إتقاناً: مطاعم تبيع السوشي بالتأكيد، لكن مطعمَي "ستارلايت" وAmerican Bar and Grill واصلا العمل بقوة وزخم.

ومع تنامي الثروة الروسية، لاحظت ميلاً جديداً، فسرّني أن أرى أعداد الشاحنات الصغيرة تزداد في موسكو، واللافت للنظر أن الكثير منها امتلك دواليب ضخمة، في حين زُين بعضها بشكل صادم بشتى أنواع الرسوم الجامحة. أدركتُ على مر العقود أن هذين البلدين يتشاركان حقاً في عدد كبير من المزايا والأهواء، فضلاً عن نقص محبب في الرقي، وبمرور الوقت رأيتُ ما ظننته انشغالاً غير صحي بالثقافة الأميركية يتوازن ويصبح أكثر اعتدالاً وتقديراً ليكتسب بعد ذلك طابعاً روسياً، لنتأمل في مثال الهمبرغر. تضيف المطاعم الروسية اليوم لمساتها الفريدة إلى وصفات الهمبرغر وتحوّلها إلى أطباق خاصة بها، صحيح أن المطاعم الأميركية ما زالت منتشرة، إلا أن مطاعم روسية تتطور منها لتبتكر طابعها الخاص وتبني ما ورثته، لكن المفرح أن حب الشاحنات بدواليبها الضخمة لم يخبُ، قد لا نكون إخوة وأخوات، إلا أننا بالتأكيد أبناء عم.

إذاً، مهما استمر التردي في العلاقات الأميركية-الروسية، يبقى التجاذب الروسي والأميركي قوياً في رأيي.

* غاي أرتشر

* «موسكو تايمز»