المفترض أنه لا خلاف على أن إيران هي التي وراء كل هذا الاستعصاء الحكومي، إن في العراق وإن في لبنان، وأنها وراء توترات هذه المنطقة كلها، وهنا فلعل ما لا نقاش فيه، ولا جدال حوله، هو أن روسيا هي التي شجعت ولا تزال تشجع الإيرانيين على كل هذا الذي يفعلونه، وعلى اعتبار أنها بحاجة إلى هذا "الولد المشاغب" كي تستعيد مكانة الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة الغابرة، عندما كان يبسط نفوذه في أهم دول الشرق الأوسط، وفي مقدمتها مصر الناصرية، التي كانت عملياً، وإن بحدود معينة، تتحكم في جزء من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وبالطبع في قناة السويس وصولاً إلى باب المندب.

لقد كان الاتحاد السوفياتي مقبولاً في هذه المنطقة إن شعبياً وإن رسمياً بحدود معينة، رغم تبنيه بعض الأنظمة "الطرزانية"، ومن بينها نظام معمر القذافي وبعض أنظمة سورية المتعاقبة، لكنه وفي كل الأحوال ما كان يفعل كل هذه الأفعال التي تفعلها موسكو الآن، ولا كل هذه النزوات التي يرتكبها فلاديمير بوتين، ومن بينها احتضانه نظاماً ظلامياً أفقر إيران والشعب الإيراني، وبات يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في هذه المنطقة، والدليل هو أنه وراء كل هذا الاستعصاء الحكومي في العراق ولبنان، وأنه عملياً ومعه الإخوان المسلمون وراء الانقسام الفلسطيني، وإقامة دولة غزة "المُلْتحية" هذه التي يسعى الإسرائيليون إلى أن تكون الدولة الفلسطينية المنشودة.

Ad

ما هي حاجة الشعب الإيراني، الذي بات يترنح تحت وطأة انهيار اقتصادي موجع بالفعل، في أن يكون على رأس الحكومة العراقية المنشودة نوري المالكي أو هادي العامري وليس حيدر العبادي أو إياد علاوي؟! أو أن تكون مرجعية الحكومة اللبنانية المتعثرة قصر بعبدا أو ضاحية بيروت الجنوبية؟! ثم هل يعقل يا ترى أن تكون إطلالة إيران على هذه المنطقة من خلال قاسم سليماني وليس على الأقل من خلال عطا الله مهاجراني... أو خاتمي أو أيٍّ من المعممين وغير المعممين ممن فرضت عليهم الإقامة الجبرية في بيوتهم، والتي غدت زنازين مظلمة منذ سنوات بعيدة!

هل الشعب الإيراني، الذي أصبحت غالبيته تتضور جوعاً، وأصبح أبناؤه نعوشاً طائرة عائدة من سورية ومن العراق ومن اليمن وأيضاً من ليبيا، بحاجة إلى حسن نصرالله، الذي يطلق على نفسه اسم "سيد المقاومة"!! وبحاجة إلى عبدالملك الحوثي، وإلى نوري المالكي وهادي العامري... وأيضاً إلى بشار الأسد الذي بات يشكل عبئاً ثقيلاً على إيران، وحتى على طائفته العلوية وعلى بوتين وسيرغي لافروف... وعلى نفسه؟!

أليس المفترض أن تكون إيران مرجعية عقلانية لهذه المنطقة كلها متكئة على تراث حضاري هائل أغناه الإسلام العظيم بقيمه النبيلة المتسامحة...؟ ألم يكن أفضل للشعب الإيراني الشقيق... نعم الشقيق، بدل كل هذه الحروب والويلات، التي أقحمه حكامه في نيرانها ومآسيها، أن تكون إطلالته على أشقائه العرب إطلالة حضارية، وإطلالة رفاه اقتصادي وليس هذه الإطلالة المرعبة التي تسببت في كل هذه الحروب المدمرة، وكل هذه النعوش العائدة من دول من المفترض أنها شقيقة، وليس بين شعوبها والشعب الإيراني العظيم حقاً وفعلاً إلا الخير، وإلا قيم المحبة والتعاون في المجالات كلها، وعلى الأقل كما هو قائم ومعمول به بين الدول والشعوب الأوروبية؟!