هل تلاحظون هذه الأيام موضة جديدة من التصريحات والمقالات والتغريدات التي يحاول أصحابها تقمّص شخصية المعارضة السياسية والتعبير عن الاستياء الشديد لدرجة تهديد الحكومة وتحريض الناس عليها بسبب ما وصل إليه الفساد في البلاد، وتحميل مسؤولية ذلك للحكومة ورئيس وزرائها تحديداً؟ لكن مثل هذه الشخصيات نخبوية كانت أم إعلامية أم سياسية يفترض أن تلوم نفسها، قبل الحكومة وربما أكثر، على الحالة المزرية التي وصلنا إليها من التدهور والحضيض في عموم شؤون الحياة اليومية، ناهيك عن الاستعداد للمستقبل الذي بات وفق قناعات الغالبية العظمى من الناس بأنه مبهم وغارق في الظلام.

إن الكثير من مستعرضي عضلات المعارضة المزعومة الجديدة ارتموا في أحضان الحكومة نفسها برموزها وشخصياتها وفكرها ومنهجها منذ عام 2010، وتصدوا قبل الحكومة لأصوات المعارضة والحراك الشبابي الذي كان يحذر من بلوغ هذا المستوى من الفساد الإداري والمالي والسياسي الذي نشهده الآن، واتهموهم بالخيانة، ولجؤوا إلى أساليب غير أخلاقية لعزل مكونات المجتمع عن بعضه، فدقوا إسفين الفرقة ورفعوا شعارات عرقية وفئوية لضرب مشروع المعارضة، وفي المقابل راحوا يطبّلون لجميع الإجراءات الحكومية وتخبطاتها وتلاعبها في الأدوات الدستورية وتبنيها قوانين قمع الرأي والزج في السجون وسحب الجناسي والحرمان السياسي وتغيير النظام الانتخابي، فأغلقت كل ملفات الفساد التي أثيرت في ذلك الوقت، وفي مقدمتها التحويلات والإيداعات، ولم يرمش لهم جفن الغيرة على البلد وثرواته وأبنائه المطاردين لتفتح أبواب أخرى كثيرة للفساد وبشكل أكبر وجرأة أكثر!

Ad

بعد هذه السنوات يستيقظ أمثال هؤلاء ليكونوا رموزاً للمعارضة ومحاربة الفساد، والآن دبت خصلة الغيرة الوطنية في تصريحاتهم وتغريداتهم! وبعد خراب البصرة ووقوع الفأس في الرأس نزل عليهم وحي الإصلاح!

إنها فعلاً مشكلة وجدانية، ولعل هذا النوع من البشر هو أحد أسباب الفساد لأنهم تركوا الواجب في "حزّته" وخذلوا الديرة عندما كانت بحاجة إلى تماسك أبنائها، وأغمضوا عيونهم والمال العام يبعثر يمنة ويسرة، والعذر القبيح لهذا الخذلان كان الشك في بعض الأشخاص من المعارضة، ممن نحملهم مسؤولية لا تقل عن هؤلاء الأبطال الجدد، فبعض النواب أو التيارات السياسية أو الشخصيات فعلاً ركبوا الموجه وخذلوا المطالب الشعبية الوطنية وتركوا شباب الحراك وحيدين في الميدان.

كنا نقول وبكلام موثّق في حينه إن حالة الفساد لا تتحمل أن نقحم الخلافات والحسد وتباين الأفكار الشخصية في الساحة، وإن من رفع راية المعارضة في ذلك الوقت اغتنم فرصة ترك هذه الراية من قبل الآخرين، كما أن المعارضة لم تكن لوناً واحداً لتضرب، فكانت تضم عناصر وطنية مشهودا لها بالإخلاص من كل المشارب، وأن الحكومة لا صاحب لها على الدوام، إلا أن المكاسب الوقتية والتزلف والنفاق السياسي كانت سيدة الموقف عند الكثير ممن صاروا معارضة الآن، فعليهم أولاً قبل البدء بأي مشروع جديد أن يعتذروا للكويت وأهل الكويت لعل وعسى أن يغسل ذلك بعض العار السياسي الذي لحق بهم!