ما لم يتم التنبه له وأخذه بعين الاعتبار بالنسبة للسوريين الذين غادروا بلدهم وانتشروا كلاجئين، وبالملايين، في دنيا الله الواسعة، هو التجربة الفلسطينية، وهي أن الأشقاء الفلسطينيين الذين غادروا مدنهم وقراهم في عام 1948 يحملون مفاتيح منازلهم، على أمل العودة خلال أيام وأسابيع قليلة، بقوا في المخيمات التي أقيمت لهم كل هذه السنوات الطويلة، لسبعين عاماً، وأصبحوا مشكلة دولية وعربية وفلسطينية، وهذا من الممكن، لا بل من المؤكد، أنه سينطبق على الملايين من أبناء الشعب السوري الذين جرى تهجيرهم، وبالقوة، من وطنهم وبلا عودة؛ لا قريبة ولا بعيدة، كما هو واضح، ولا نقاش فيه.

كان يجب أن يُدرك هذا، ومنذ البدايات، المعنيون بهذه المسألة، إن في الدول المضيفة القريبة المجاورة أو البعيدة، وخاصة أنه رافق عمليات اقتلاع هؤلاء الأشقاء من مدنهم وقراهم عمليات "توطين" لقوافل متلاحقة من الذين جرى استيرادهم على أسس طائفية ومذهبية من إيران وأفغانستان ودول أخرى كثيرة، من بينها باكستان.

Ad

والأخطر، ولضمان منع عودة هؤلاء، ولتكون مغادرتهم في اتجاه واحد، تم تدمير مدنهم وقراهم بطرق منهجية مقصودة، وعلى نحو أبشع كثيراً من تدمير العصابات الصهيونية في عام 1948 للمدن والقرى الفلسطينية، وتمَّت إزالة بعض هذه المدن والقرى، وكما حدث ويحدث الآن مع القرى والمدن السورية التي غادرها أهلها بعد أن أصبحت أكواماً من الأتربة والحجارة، ولكن من دون أن يحملوا معهم مفاتيح منازلهم، كما فعل الفلسطينيون، لأنه لم تبقَ لهم منازل حتى يحملوا مفاتيحها، ولو من قبيل حلم العودة.

ما كان يجب أن يغيب هذا الأمر الخطير عن أذهان المعنيين، إن في المنافي البعيدة، أو القريبة، وإن الأمم المتحدة والدول الكبرى أو الدول العربية، وكان يجب أن تكون مخيمات هؤلاء في المناطق الحدودية على الأراضي السورية، وبرعاية الهيئات الدولية. وفوق كل هذا، كان على الولايات المتحدة والدول الكبرى المعنية والدول المجاورة أن تبذل جهوداً حقيقية وفعلية لمنع عمليات الاستيطان في هذا البلد المنكوب، الذي أطلق عليه بشار الأسد وصف "سورية المفيدة"!

تقدَّر أعداد الذين أُجبروا على مغادرة وطنهم سورية بأكثر من ستة ملايين، ومن دون مفاتيح منازلهم، ولا حلم العودة القريبة، ولا بالعودة البعيدة، وكل هؤلاء، وليس بعضهم فقط، من "السُنة"، من الطائفة السُنية، التي كانت ولا تزال المستهدفة، ومنهجياً، بعمليات التهجير بالقوة هذه.

وهنا، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هؤلاء سيشكلون؛ عربياً ودولياً، مشكلة كبيرة أكثر كثيراً وأخطر من المشكلة الفلسطينية، ما يعني أنه كان يجب التنبه إلى هذا الأمر منذ البدايات، وكان يجب، تحاشياً لإثارة كل مسائل "التوطين" التي تثار الآن، أن يكون هذا التوطين مؤقتاً، وفي مخيمات داخل الأراضي السورية، لا في الدول المجاورة، ولا في الدول البعيدة.