ماذا يعرف القارئ عن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري؟

هذه الاتفاقية الدولية، من أقدم الاتفاقيات في ترسانة مواثيق حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الهادفة لمواجهة الاضطهاد والتمييز العنصري بكل أشكاله ومظاهره بين البشر، وصولاً إلى تعزيز التفاهم بين الأجناس والمذاهب والأديان، وبناء مجتمع دولي خال من كل أشكال التفرقة والتمييز العنصري. اعتمدت الجمعية العامة في 21 ديسمبر 1965 الاتفاقية، في زمن شهدت فيه بعض أنحاء العالم اضطرابات مدنية كبرى، كان الفصل العنصري في أوجه في جنوب إفريقيا، وتجسد في (مذبحة شاربفيل) التي لفتت أنظار العالم إلى مدى بشاعة نظام التمييز العنصري، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في 4 يناير 1969.

Ad

اعتمدت الجمعية العامة يوم 21 مارس من كل عام، يوماً عالمياً للقضاء على التمييز العنصري، تخليداً لذكرى اليوم الذي سقط فيه متظاهرون مدنيون برصاص الشرطة التي أطلقت النار على مظاهرة سلمية في شاربفيل، في جنوب إفريقيا، عام 1960، ضد قوانين المرور المفروضة من النظام العنصري، فقتلت 69 شخصاً، إضافة إلى أن هذا اليوم يعد يوما تاريخيا في حياة الأميركيين السود، إذ انطلقت فيه، شرارة انتفاضة السود بقيادة الزعيم الأميركي مارتن لوثر كينغ، ضد بشاعة التمييز العنصري في المجتمع الأميركي "ممنوع دخول الكلاب والزنوج)"، وأثمرت قانوناً يعطيهم حق المشاركة في الانتخابات العامة.

ما المقصود بالتمييز العنصري؟

يقصد بـ"التمييز العنصري" أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة (المادة الاولى)

ديباجة الاتفاقية: تعد هذه الديباجة من أجمل وأرقى الديباجات التشريعات الحقوقية الدولية، إذ تثير عقل ووجدان الإنسان، ليتأمل ويفكر ويطرح أهم تساؤل فلسفي وجودي، على نفسه: لماذا ينبغي احترام حقوق الآخرين، وحرياتهم، وكراماتهم؟! فهي تؤكد أن البشر جميعاً يولدون أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة في المواثيق العالمية، دون أي تمييز، لا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وتضيف الديباجة، حقيقة معرفية تنسف أوهام الاستعلاء والتمييز، بتأكيدها إيمان الأمم المتحدة بأن أي مذهب يقوم على التمييز والتفرقة العنصرية، هو مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً، وبأنه لا يوجد أي مبرر نظري أو عملي للتمييز العنصري في أي مكان، وهو ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم". مخلوق مكرم من قبل المولى تعالى بنفسه: فكيف يجوز لفرد أو جماعة أو دولة أن تحرمه من حقوقه أو تنتهك كرامته؟!

ختاماً: بلغ عدد الدول التي صادقت على الاتفاقية 179 دولة، وكل الدول العربية قد انضمت إليها، على تفاوت تحفظاتها، ورغم كل الجهود الدولية في مكافحة التمييز، وحصول بعض التقدم، فإنه وبعد مرور أكثر من نصف قرن، مازال التمييز يمثل ظاهرة عالمية، وما زالت فيروساته نشطة تقاوم، لا يمكن القضاء على التمييز ولكن يمكن تحجيمه.

* كاتب قطري