أيام الدراسة وخصوصا أيام الجامعة كانت الوسيلة التقليدية لحفظ ما يقوله الأستاذ في المحاضرة هي "التنويت"، أي كتابة ما يقال على الورق في دفتر كبير، البعض طور عملية حفظ المحاضرة بإحضار مسجلة صغيرة– بعلم أو بدون علم– الأستاذ و"تنويت" كل ما هو ضروري على الراحة وبدون أي ضغط.

تلك المهارة أي "التنويت" فوائدها كثيرة، وتتجاوز مرحلة الدراسة وحصد الدرجات إلى العمل في المجال الصحافي مثلا لمن أراد ذلك، لأن الصحافي يحتاج إلى الكثير من المهارات التي يمكن اكتسابها بالتمرين، ومنها "التنويت" السريع في أي وقت وأي وضع، الفائدة الكبرى من مهارة "التنويت" تتجلى في تفعيل خاصية الحفظ السريع وجعل الذاكرة أكثر نشاطا وموضوعية في النقل، لأن ما يذكر بعد الكتابة والمراجعة أكثر مما يذكر من السمع فقط.

Ad

نذكر قبل مدة صورة تم نشرها يظهر فيها وفد أجنبي أغلب أعضائه منشغلون في "تنويت" ما يقوله الطرف الآخر الذي دخل الاجتماع بلا أقلام وورق، اعتمادا على الخبرة وبركة دعاء الوالدين، هذه الحالة إذا علمنا أنها عامة وفي جميع المستويات الوظيفية وجميع المؤسسات الرسمية سندرك أننا نعاني خللا رهيبا في آلية اتخاذ القرار التي تحتاج إلى الكثير من المعلومات الواضحة والحاضرة والمركزة، لا إلى سجالات بعض المسؤولين الحمقى حول دقة معلوماتهم المأخوذة من ذاكرتهم المعطوبة.

الذاكرة اللحظية في الموقف لها غواية لا تقل أهمية عن أي غواية أخرى، وسحرها يتجلى في الثقة الزائدة بأن كل ما يقال ويرى سيحفظ في شريط فيديو جاهز للاستعادة، ولكن "تعال يا شاطر" لن تمر سوى دقائق بعد زوال اللحظة حتى تبدأ الأسئلة العبقرية: "الموعد الساعة 9 ولا 10؟ هو قال عبدالعزيز ولا عبدالرزاق؟ منو اللي قال إن النتفلكس أحسن من الشوتايم؟ اللي قاعد بالنص ولا اللي على الطرف؟... إلخ".

في الختام "التنويت" أسلوب عمل وحياة يعكس الكثير من الجدية والمهنية، لن تهدر أوقاتكم بتكرار الأسئلة، ومساحات خلافاتكم لن تكون بحجمها الحالي، وحقوقكم والأهم حقوق الناس والأمانات والمشاريع لن تضيع بسبب الغرور والثقة الزائدة، تواضعوا قليلا و"نوتو" يرحمكم الله.