أسدلت المحاكم الجزائية الستار أخيرا على القضايا التي أقامتها جامعة الكويت والعميد المساعد للشؤون العلمية السابق في كلية الحقوق د. سامي الدريعي، وقضت ببراءة «الجريدة» والزميل رئيس التحرير خالد هلال المطيري والكاتب حسين العبدالله.

يأتي ذلك على خلفية نشر «الجريدة» فضيحة بيع الشهادات العلمية من أحد المعاهد باسم كلية الحقوق بجامعة الكويت، والتي اتهمت الجامعة والدريعي الجريدة ومحررها بنشر أنباء كاذبة، في وقت كانت الصحيفة تحذر الجامعة وكلية الحقوق من كارثة أكاديمية تنال من اسمها وسمعتها، بعد أن استغل بعض المسؤولين مناصبهم للقيام بعلاقات ببعض المعاهد المشبوهة وتجار الشهادات من أجل حفنة من الأموال على حساب سمعة الكلية وتاريخها الطويل الذي حافظ عليه أساتذتها الأوائل.

Ad

ورغم ما انتهت اليه المحاكم الجنائية ببراءة «الجريدة»، كشفت الشكوى التي حركها وزير التربية وزيــــر الـــتـعـلـــيـــم الـــســــابق د. محمد الفارس الى النيابة العامة ضد «الجريدة»، وضد المعهد المتورط في بيع الشهادات العلمية باسم كلية الحقوق بجامعة الكويت، فضيحة أخرى بشأن من مثل الجامعة بتحقيقات النيابة العامة في شكوى الوزير والذي قصر شكواه على جريدة «الجريدة» دون المعهد المعني بالواقعة.

وهذا الامر يطرح تساؤلا غريبا: لماذا تقصر الجامعة شكواها على «الجريدة» دون المعهد، رغم إبلاغ الوزير ضد المعهد الى النيابة؟ وهل تسللت ايدي التدخل في فضيحة الشهادات العلمية الى حجب اسماء يتوقع أن تكون لها صلة بالقضية، رغم ان المسؤول الاول بالجامعة طلب تحريك القضية ضد المعهد؟ ولمصلحة من يحجب امر تحريك القضية ضد المعهد وقصر الشكوى على «الجريدة» لإظهارها بالمتمرد على الجامعة وكيلة الحقوق؟ في وقت سعت «الجريدة» إلى كشف فضيحة علمية تستغل باسم كلية الحقوق لبيع شهادات التحكيم أو الماجستير أو بيع شهادات وهمية وسط صمت الجامعة ومسؤوليها عن التحقيق بها وطمطمة هذا الملف الذي كان يتطلب إحالة المسؤولين المتسببين عنه الى القضاء ومساءلتهم قانونيا عن تلك الفضيحة.

فضيحة علمية

ورغم الجهود التي بذلتها «الجريدة» لتسليط الضوء على فضيحة بيع الشهادات العلمية الوهمية باسم كلية الحقوق، والتي سوقت لها مراكز تدريب وتحكيم مشبوهة، والتي حاربتها جامعة الكويت وكلية الحقوق تارة بالنفي وتارة اخرى بالقضية التي اقامتها ضد «الجريدة» ومحررها، اكدت المحاكم الجزائية بعد تبرئتها «الجريدة» أن «الجريدة» كانت تهدف الى حماية العملية التعليمية في البلاد، وليس كما نفت وشكت جامعة الكويت والعميد المساعد للشؤون العلمية السابق د. سامي الدريعي ضد «الجريدة».

وقالت محكمة الجنايات، برئاسة المستشار متعب العارضي، في حيثيات حكم محكمة أول درجة ببراءة «الجريدة»، إن وقائع الخبر كانت ذات اهمية اجتماعية عامة، تتعلق بجودة التعليم الاكاديمي في البلاد وسمعته وأثارها الكاتب حسين العبدالله بناء على الإعلان المشار اليه ابتغاء تحقيق المصلحة العامة، وهو حماية سمعة التعليم الجامعي، كما ان المقال الثاني كان مجرد ترديد لوقائع المقال الاول وردا على كتاب الشاكين باتخاذ الاجراءات القانونية تجاه الصحيفة المشكو بحقها، وبناء عليه فإن المحكمة ترى عدم صحة التهمة وتقضي ببراءة الكاتب ورئيس التحرير.

وقضت محكمة الاستئناف الجزائية، برئاسة المستشار عادل الهويدي، وعضوية المستشارين مفرح الجداوي وعبدالله الصانع، بتأييد حكم «اول درجة» ببراءة «الجريدة» من القضايا المقامة ضدها لعدم سلامتها.

تحقيق المصلحة العامة

واكدت «الاستئناف»، التي أصبح حكمها نهائيا لعدم الطعن عليه امام محكمة التمييز، في حيثيات حكمها، ان الحكم المستأنف أحاط بتلك الواقعة وبالأدلة التي ركنت إليها النيابة العامة في اسناد هذا الاتهام اليه في بيان كاف يغني هذه المحكمة عن إعادة ترديدها، ومن ثم تكتفي بالإحالة إليه في هذا الشأن، وخلص بأسباب سائغة وكافية من شأنها ان تؤدي الى ما رتبه عليها من براءة، حاصلها ان النشر كان لغرض تحقيق المصلحة العامة وحماية سمعة الصرح التعليمي في كلية الحقوق.

واستدركت: «وإذ تقر هذه المحكمة قضاء الحكم المستأنف فإنها تحيل الى أسبابه وتعتمدها أسبابا لحكمها، وتضيف المحكمة دعما له انه من اللازم في أصول الاستدلال ان يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤديا الى ما رتبه عليه من نتائج بغير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق».

وقالت: «وكان من الجائز للصحف والمطبوعات، وهي تمارس رسالتها بحرية في خدمة المجتمع، تناول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأنشطة، باعتبارها من الأحداث العامة التي تهم الرأي العام، وان على الصحافي واجبا يتصل بحق الجمهور في المعرفة، وعليه ايضا واجب احترام الغير مع الالتزام بالموضوعية، بعد ان يقيم توازنه بين هذين الواجبين».

قواعد قانونية

وأضافت المحكمة: «وباستنزال تلك القواعد القانونية على الواقعة محل الدعوى فإن الثابت من أوراقها أن المتهمين قد نشرا خبرا في جريدة «الجريدة»، العددين 3290 و3300، الصادرين في 14 و24/1/2017 تحت عنوان (ماجستير التحكيم بـ350 دينارا، الحقوق تطمطم فضيحة التحكيم بالتهديد)، تضمنت انتقاد قيام مركز للاستشارات والتدريب بوضع إعلانات تهدف الى الاتجار بالشهادات الدراسية بمقابل مالي، إذ قام المتهمان بكتابة المقال ونشر هذا الخبر وفقا لما يتحتم عليه مسؤوليته المهنية الصحافية والدور الاعلامي الذي ينحصر في نقل الوقائع دون تمييزها ودون فصلها عن سياقها الحقيقي فإن الهدف يظل مشروعا لا جريمة فيه، ولا يدخل ضمن نطاق التجريم الذي قصده المشرع في القانون 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر».

وتابعت: «وقد ثبت للمحكمة توافر شرط اليقظة والإحاطة، الى جانب تحري الدقة والحقيقة في طرح موضوع الاتهام، لاسيما انه لم يكن لنشر هذا المقال والتقرير هدف آخر غير المصلحة العامة وحماية للصرح التعليمي، ولم يثبت تعرض الغير للضرر من جراء ذلك النشر، فيتخلف بذلك ركنا الجريمة المادي والمعنوي معا، ويضحى الاتهام معه بلا سند من الواقع والقانون».

وأردفت: «واذ تقر هذه المحكمة قضاء الحكم المستأنف فيما انتهى اليه من براءة المتهمين عن الاتهام المسند اليهما لانتفاء اركانه على نحو ما سلف فإنها تحيل الى اسبابه وترتكن اليها وتعتبرها مكملة لأسباب حكمها هذا، لاسيما ان النيابة العامة لم تأت بجديد يمكن أن ينال من ذلك، بما يتعين اعتبار استئنافها قد جاء على غير سند متعين الرفض موضوعا، وبتأييد الحكم المستأنف عملا بنص المادة 1/208 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية».