«أعشقني» أحدث رواياتك التي نالت شهرة ونجاحاً. ما الأجواء التي تتناولها؟

Ad

النجاح الكبير الذي حظيت به الرواية جعلها قبلة للدراسة والنقد. هي رواية أخرجتها من عباءة الخيال العلميّ واستطعتُ أن أحلّق فيها نحو الحريّة بكلّ تمرّد من دون أن يعوقني معوق نحو تصوير مستقبل البشريّة المفرغ من الإنسانيّة والمشاعر والسعادة، وهو مستقبل مقبول فرضيّاً وعلميّاً إن استمر الإنسان في لعبته الجهنّميّة مع ذاته، وهي لعبة تحويل نفسه إلى آلة عاملة منتجة مستلبة لا تحلم بحرّية أو إبداع أو خروج عن النّسق.

ما هي منطلقاتكِ في الكتابة؟

أكتبُ من منطلق واحد أتمسّك به، وأنقاد إليه، وأرى العالم عبره، وهو أنّ الكتابّة هي ثورة لغويّة على القبح والظّلم والفساد في الحياة والإنسان والسّلوك. انطلاقاً من هذه الرؤية، تصبح الكتابة هي خلع الذّات ومفاهيمها والآخر ومفاهيمه والصّراعات والتّفاصيل والرؤى على الورق، والسّماح لها بأن تصبح عالماً موازياً لعوالمنا، حيث نستطيع أن نرى بوضوح العيوب والعلل، ونرقب السقوط، ونقترب من الحلم والحقيقة والمأمول والواقع والمستحيل والممكن في آن.

المهمشون والنساء

لكن تركيزكِ على عالم المهمشين، هل هو سبب تميّزكِ وحصولكِ على كثير من الجوائز والتّكريمات؟

لا أعتقد أنّ الكتابة عن موضوع دون آخر هي ما يحصد جائزة أو إبداعاً ورفعة؛ لأنّ الفكرة لا تكفي لرفع أدب أو خلقه أساساً، من منطلق أنه لا وجود لفكرة مهمة أو تافهة، بل ثمة كتابة تافهة وأخرى عظيمة. لذلك أقول بصراحة ما قاله من سبقونا في النّقد والتّنظير في عالم الكتابة الذين وجدوا أن اللّفظ هو الأساس، في حين أن الأفكار ميتة لا قيمة لها ولا حياة ما لم تكتب الحياة والفاعليّة عبر توظيفها في سياقاتها اللّغويّة التي تهبها الحياة الحقيقيّة.

وانطلاقاً من ذلك كله فكتابتي تكتسب أهميتها وقدرتها على الاستفزاز ولفت النّظر من أنّها تقدّم كائناً لغويّاً قادراً على بعث الحياة في الفكرة، واستنهاضها لتكون في أقرب نقطة من الإنسان في تفاصيله اليوميّة بكل ما يحتمل ذلك من تفريعات صغيرة تصل إلى أعقد أسراره النّفسيّة والرّوحيّة والفكريّة، أو تفريعات كبيرة تنطلق من ثيمات عظمى وعليا تمثّل مثله وأخلاقه وأهدافه ومنجزه الإنسانيّ؛ فالكتابة برأيي تكون عظيمة بقدر ما تستطيع أن تمسّ أرواحنا، وتتحدّث عن المسكوت عنه في عوالمنا، وتفضح فساد عوالمنا، وتقارب معاناتنا وحاجاتنا وأحلامنا وقضايانا الملحّة.

كيف ترين مستوى التجارب النسويّة في أدبنا العربي الراهن؟ وماذا ينقص كاتباتنا لينافسن الكتّاب الرّجال ويتصدّرن المشهد الإبداعيّ؟

لا أؤمن أساساً بهذا التّقسيم الجندريّ للأدب، بل أؤمن بأنّ ثمة أدباً عظيماً وآخر ساقطاً، بغض النظر عن جنس كاتبه أكان أنثى أم ذكراً. من ثم، توازي الكاتبة الأنثى الكاتب الذّكر وتشابهه ما داما يملكان أدواتهما الإبداعيّة، والتّفاضل بينهما لا يُقاس أو يتأثر بجنس كل منهما، بل يحدد ذلك حظوظ كل منهما من الموهبة والإبداع والرّؤية والابتكار والقدرة على خلق سموات خاصة للطيران.

فلسطين والطفل

كيف لامستِ معاناة الشّعب الفلسطينيّ في أعمالكِ الأدبيّة كون جذورك الأولى ترجع إلى الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؟

أنا خارجة من رحم الشّعب الفلسطينيّ وقضاياه؛ دمه يسير في دمي، وأنتمي له حقيقة وفكراً واعتقاداً. لذلك من الطّبيعيّ أن أكتب وأن أقارب وألامس شعبيّ وقضيته، لا سيما أنّ هذه الكتابة هي تجسيد حقيقيّ لليوميّ من حياتي وحيوات شعبي في أرض الصّمود في الدّاخل الفلسطينيّ أو في المهجر القسري في الشّتات في أنحاء العالم. وعندما أكتب عن الوجع الفلسطيني، فأنا أكتب عن وجعي وعن أوجاعنا جميعاً. كذلك أتمثّل في هذه الكتابة أوجاع النّضال والمناضلين والصّمود والصّامدين في كلّ جغرافيا وتاريخ بشريّ.

قدمت أعمالاً مميزة للطفل. ما الذي ترتكزين عليه في هذه الكتابة النّوعيّة، وإلى أيّ مدى تجدين أنّ من يكتبون للطّفل يدركون آليّات وشروط الكتابة للصّغار؟

أحرص في الكتابة للطّفل على أن أوازن بين معطيات مهمة، وهي الرؤية النبيلة، والهدف من السرد، والقدرة على بلورة وجدان الطفل وفكره ضمن إعطائه صوراً للفضيلة والفضلاء والبناء والبانين والنّموذج وطريقة الاحتذاء في توليفة ذات تشكيل خيالي عن الواقع والممكنات. وتحقيق هذه الشروط في قالب قصصي يوافق عقل الطفل وإدراكاته وإمكاناته أمرٌ صعب وفيه تحدٍ حقيقيّ، ومن هنا لن نفسّر عظمة من يكتبون للطفل إن استحضروا هذه المعطيات والشّروط.

تصبح هذه الكتابة خطيرة وقاتلة للمستقبل بقتل الجيل الوليد إن لم يكن من يقوم بها يملك الأدوات والرؤية والهدف والقرار. وهذا ما ينقص كثير من أدبائنا للأسف.

محفوظ وجديد

أنت من عشّاق أدب نجيب محفوظ. ما الذي يلفت نظرك في إبداعه؟ وما أكثر ما أثر في تجربتكِ الإبداعيّة بعد قراءته؟

تأسرني في أدب نجيب محفوظ قدرتّه العملاقة في الإغراق في المحليّة لتجسيد التّجربة الإنسانيّة كاملة، ومن هذا الأمر تّحديداً انطلقتُ في كتاباتي، وهو أن أرى الآخر من خلال تجربتي، وأن أنفذ إليه من طريقي، وألا أبحث عن ذاتي إلاّ في ذاتي.

ما جديدك خلال الفترة المقبلة؟

رواية من نوع الفانتازيا تضع الواقع في إطاره الحقيقيّ، وهو اللامحتمل واللامنطقيّ.

60 جائزة عربية ودولية

تحمل سناء شعلان درجة دكتوراه في الأدب الحديث، وتعمل أستاذة جامعية في التخّصص ذاته في الجامعة الأردنية في الأردن. وهي ناقدة وإعلامية ومراسلة صحافية لبعض المجلات العربية وناشطة في قضايا حقوق الإنسان والمرأة والطفولة والعدالة الاجتماعيّة. نالت نحو 60 جائزة عربية ودولية في حقول الرواية والقصة القصيرة والمسرح وأدب الأطفال والبحث العلمي، وحصلت على درع الأستاذ الجامعي المتميز في الجامعة الأردنية للعامين 2007 و2008 على التوالي، ولها 52 مؤلفاً بين كتاب نقدي متخصص ورواية ومجموعة قصصية وقصة أطفال إلى جانب المئات من الدراسات والمقالات والأبحاث المنشورة، وتُرجمت أعمالها إلى لغات عِدة.