في الأسبوع الماضي، ظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه معهد "غالوب" عن الحالة الأمنية في عديد من البلدان على مستوى العالم، وقد كان لافتاً أن مصر حلت في مرتبة متقدمة في هذا الاستطلاع، حتى إنها تقدمت على دول كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

اعتمد الاستطلاع على سؤالين رئيسين هما: "هل تشعر بالأمن حين تسير في الشارع ليلاً؟"، و"هل حدث لك حادث أمني أخيراً؟"، وهو الأمر الذي سيفسر بسهولة النتائج السابقة؛ إذ يبدو أن الحالة الأمنية في مصر من هذا المنظور جيدة بكل تأكيد.

Ad

لا يمكن التقليل أبداً من الجهد الكبير الذي بذلته الدولة المصرية منذ 30 يونيو 2013، في مجال الأمن تحديداً؛ إذ وصل الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، إلى موقع السلطة الفعلية في هذه الأثناء، وحالة الأمن في مصر متردية، والجماعات الإرهابية متمكنة، والآليات العسكرية منتشرة في الشوارع.

استطاع عبدالفتاح السيسي بخطة أمنية صلبة ومتكاملة أن يطوق تلك الأزمات ويحاصرها، وبعدما قضى على معظم التحدي الأمني في الوادي والمدن الكبرى، ذهب إلى سيناء بالعملية الشاملة، ويبدو أنه عازم على إنهائها بنجاح.

يبقى الأمن والشعور بالأمان انتصاراً مؤكداً ونقطة تحسب للرئيس السيسي ونظامه، وهو أمر لا تدل عليه المؤشرات والاستطلاعات العالمية فقط، ولكنه يظهر في كل بقعة من البلاد، وحتى منطقة شمال سيناء التي ما زالت تئن تحت وطأة بعض جماعات الإرهاب، تبدو في طريقها للتحرر من هذا الخلل.

تلك هي الأخبار الجيدة التي يمكن لقطاع الموالاة أن يتداولها ويلح عليها لشرح وجهة نظره وتعزيز موقع النظام والدفاع عن مناقبه، لكن الأخبار السيئة تأتي مع استعراض الأوضاع المعيشية، حيث يتفاقم الغلاء يوماً بعد يوم، في ظل انسحاب الدولة التدريجي من الدعم الاقتصادي للسلع والخدمات.

في الأيام القليلة الماضية، تم رفع أسعار المياه والكهرباء بنسب متفاوتة، وصلت في بعض الأحيان إلى نحو 70%، بموازاة ارتفاعات مطردة في أسعار السلع والخدمات المختلفة، وخصوصاً تلك المستوردة، والتي بدأ مستهلكوها في المعاناة الشديدة في أعقاب تعويم سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، في شهر نوفمبر 2015، مما رفع سعر هذا الأخير بواقع الضعف تقريباً، وهو الأمر الذي ترتبت عليه مضاعفة أسعار السلع والخدمات المستوردة، ما ألقى بأعباء كبيرة على المستهلكين.

ولا يستبعد أبداً أن يتم رفع أسعار الوقود خلال الساعات القليلة المقبلة، وربما يكون هذا الرفع قد تحقق عند قراءة هذا المقال، وهو تغير سعري ستكون له تداعيات كبيرة، بالنظر إلى ارتباط سعر الوقود بأسعار مختلف السلع والخدمات.

قبل شهر أقدمت وزارة النقل على خطوة مؤثرة للغاية حين ضاعفت تقريباً أسعار ركوب "مترو" الأنفاق، وهو وسيلة نقل سريعة تتفادى زحام القاهرة المعقد، وتنقل نحو أربعة ملايين مصري يومياً، معظمهم من أبناء الطبقة الأقل دخلاً وأبناء الشرائح الأدنى في الطبقة الوسطى.

وقد قوبل هذ الرفع بشعور بالامتعاض والقلق الشديد، بالنظر إلى أن هذه الطبقات التي تستخدم "مترو" الأنفاق، تعاني أصلاً بسبب تعدد الضغوط وارتفاع أسعار معظم السلع الحيوية.

مع نهاية شهر رمضان الكريم، أقسمت حكومة جديدة اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ وهي حكومة جاءت في ظل السياق السابق الإشارة إليه: نجاح أمني واستقرار، وغلاء في الأسعار وضائقة اقتصادية تعانيها الدولة وغالبية الجمهور.

ثمة خمسة معالم إيجابية في التشكيلة الحكومية الجديدة؛ أولها أنها لم تستثن أصحاب الحقائب السيادية، أياً كان نفوذهم أو مقدار مساهمتهم في النجاح الأمني الذي تحقق في السنوات الأخيرة.

لقد تم تبديل وزيري الدفاع والداخلية، في عملية سلسة، انتهت بلقاء تسليم وتسلم ودي، وإشادة من قبل رئيس الجمهورية بدورهما وجهدهما.

وثاني هذه المعالم الإيجابية يتعلق بزيادة الحقائب التي تحملها المرأة والشباب، حيث أثبتت المرأة في الحكومة السابقة أنها قادرة على القيام بدورها بفاعلية وجدية شديدة؛ وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في وزارات الاستثمار، والهجرة، والتضامن الاجتماعي، والتخطيط، وأخيراً في السياحة والثقافة.

أما المعلم الإيجابي الثالث فيتصل بفكرة الاستعانة بنواب الوزراء؛ وهو أمر يساعد في إعداد صف ثان في معظم الوزارات، يتدرب أعضاؤه على مهام الوزارة، ويصبحون جاهزين لحمل الحقيبة في حال الحاجة إليهم.

ويتعلق المعلم الرابع بعدم الاعتداد بموقع الوزارة أو تصنيفها (سيادية أو غير سيادية)، ولا باسم الوزير وتاريخه، ولا بالمدة التي أمضاها في موقعه.

ومن ذلك أن أحد أقدم الوزراء في هذه الحكومة وهو وزير الشباب خالد عبدالعزيز تم تبديله، وأحدث الوزراء في الحكومة أيضاً وهو وزير التنمية المحلية اللواء أبو بكر الجندي تم تغييره، رغم أنه لم يمض في موقعه أكثر من خمسة أشهر، وأن وزيري الدفاع والداخلية تم تبديلهما، رغم الموقع الحساس الذي يشغله كل منهما.

أما المعلم الخامس فيظهر في عدم استماع الرئيس لنصائح البعض بأن يجعل الحكومة المنصرفة تقر زيادات الأسعار، وخصوصاً زيادة سعر الوقود التي ستكون لها مفاعيل قوية، قبل أن تمضي، وبذلك تتحمل أوزار الزيادة، وتترك الساحة للحكومة الجديدة، لتبدأ ولايتها من دون أوجاع أو "ثارات" مع الجمهور المأزوم من الزيادات السعرية.

لقد ألمح الرئيس إلى أنه استمع إلى هذا الاقتراح، لكنه لم يقتنع به، ولن يعمل به، وهو أمر يشير إلى درجة عالية من الإحساس بالمسؤولية، والتزام الإنصاف، وهما عاملان كثيراً ما يغيبان عند محترفي السياسة، خصوصاً في الأوقات الصعبة.

في مصر حكومة جديدة لولاية جديدة بدأها الرئيس السيسي للتو؛ وهي حكومة أتت في أجواء إنجاز أمني ملموس، وضائقة اقتصادية تلقي بأعباء شديدة على الدولة وعلى الطبقات الأدنى دخلاً في البلاد.

وأمام تلك الحكومة الكثير من الفرص لكي تحقق نجاحاً ملموساً، لكن المخاطر لا تنقصها أيضاً، وخصوصاً إذا أخفقت في تعيين قدر الضغوط الاقتصادية التي يمكن أن يتحملها المواطنون.

* كاتب مصري