الإبداع فطرة الإنسان ونتيجة طبيعية لمعيشته في بيئة تضمن له حقوقه وحرياته الأساسية، بما فيها حرية التعبير، وحتى في ظل الظروف الصعبة من الفقر وقسوة الحياة، استطاعت الإنسانية على مر العصور أن تنتج فنوناً عظيمة نبعت من الألم والصعاب، طالما كان هناك متنفس– وإن كان بسيطاً- من الحرية. يكتشف الطفل عالم الألوان الشاسع بين أنامله الصغيرة فتراه "يخربش" على الكراسات صانعاً مختلف الأشكال الجميلة، ويصفق بسعادة مع أنغام الموسيقى حالما تسعفه يداه الصغيرتان لذلك، ثم يرقص بمجرد أن يخطو خطواته الأولى، هذا هو الإنسان، مجبول بطبيعته منذ الولادة على حب البهجة والجمال.

ما هو غير طبيعي إطلاقاً هو قمع هذه القدرات الضخمة لدى الإنسان– خصوصاً في بلاد الرفاهية الاقتصادية- وإتخامه بغثاء الثقافة الاستهلاكية، بل الأسوأ من ذلك هو منع وتحريم الفنون بشتى أنواعها من رسم وموسيقى وتمثيل ورقص، وإخافة الناس من ممارستها وتقديرها بالتهديد والوعيد والتفسيرات الدينية المحدودة ونظريات المؤامرة، ووضع وصمة العار على كل من يمارسها أو يشتغل فيها. أدى ذلك إلى انحدار مستوى الفن بشكل كبير، فأصبح الفن ملاذاً للفاشلين بدل أن يكون حرفة النخبة.

Ad

طالت أيادي المنع والتحريم الكتب والفكر، فأصبح التفكير تكفيراً ومُنعت الكتب في عقر دارها على الرغم من تقدير العالم أجمع لمواهب أبنائها الفذة. أصبح الدينار قبل الإنسان والوطن، فأصبحت مدينتنا كومة من شتى أشكال الضوضاء والتلوث البيئي والمعماري، وأصبحت فكرتنا عن الجمال قبيحة تحت سطوة "التفاهة" الاستهلاكية.

شهدت الكويت في السنوات الأخيرة متنفساً للحركة الإبداعية الشبابية، وذلك بعد سبات طال لمدة فاقت العشرين عاماً، حيث كانت التيارات المتزمتة أحد أسبابه الرئيسة، ودعّم هذه الحركة الإبداعية الجديدة انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت المجتمع أكثر اطلاعاً– على الرغم من بعض سلبياتها- وجمعت الأفراد ذوي الاهتمامات الإبداعية معاً، فنشطت المعارض التشكيلية والعروض الموسيقية والمكتبات الخاصة، وشتى أشكال الأنشطة الثقافية والإبداعية. ازدادت البهجة بافتتاح حديقة الشهيد، ومركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وكذلك افتتاح مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي مؤخراً، كلها تحت رغبة أميرية ورؤية مستقبلية لكويت الثقافة والإبداع.

لكن على الرغم من ذلك، ما زال ظلام الخوف والجهل يطارد بذور الإبداع التي أزهرت للتو، فالبعض يهاجم الحفلات والعروض الغنائية ويتهمها بالمجون– على الرغم من حصولها على جميع التراخيص اللازمة- بل يطالب بمنعها رغم إمكانية عدم حضورها فحسب، وآخرون يسكنهم الخوف من كل ما هو جديد ومختلف– وتلك أهم العناصر الإبداعية- فيقومون بوصف إنتاج أبناء بلدهم من الشباب الأخيار بأبشع الأوصاف من ماسونية وعبادة للشيطان. شيء حزين بالتأكيد لكنه نتيجة طبيعية لعدة عقود مضت علينا دون أي إنتاج فكري أو إبداعي حقيقي، سيحتاج تغيير هذه الثقافة وقتاً ومجهوداً كبيرين بلا شك، فلنستمر إذاً بالعمل والازدهار معاً.