تتعرض الثورة للخيانة! هذه صيحة المطالبين بشدة بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في حزب المحافظين: يتعرض مشروعهم الجليل لهجوم لا أخلاقي مضاد للثورة، ويشكّل عدم استقالة وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيس (بعدما حصل على مساندة محدودة زمنياً لن يرضى بها الاتحاد الأوروبي مطلقاً ولا حدود زمنية لها فعلاً) وكلامه ضد رئيسة الوزراء لـ"تراجعها في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" الفصل الأخير من ملحمة الخيانة العظمى، وتأججت حالة الرعب المتفاقمة هذه، عندما تبين أن Daily Mail ستخضع لتحرير يميني مؤيد للبقاء لا يمين مناصر للخروج، أضف إلى ذلك أيضاً تسريب بوريس جونسون: لم يثنِ على ترامب ويعرب عن رغبته في تبني مقاربته إلى السياسة فحسب، بل انتقد أيضاً وزارة الخزانة بصفتها "قلب الحركة المؤيدة للبقاء".

ارتدى المحافظون المؤيدون للخروج حلة الثورة، مصورين أنفسهم "يعاقبة" متمردين، ولكن كما ذكر دومينيك غريف، محافظ مؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، متأسفاً السنة الماضية، "نحن أطلقنا الثورة، ولكن تكمن مشكلة الثورات في أنك لا تستطيع المعرفة يقيناً إلامَ ستؤول". خصومهم "أعداء الشعب"، و"مخربون"، و"خونة"، كذلك يدّعون أن المؤسسة الحاكمة تسعى إلى تعطيل إرادة الشعب، ولكن للتوضيح أعتقد أن كل هذه سخافات، يتألف اليمين المحافظ من مجموعة من الرجعيين لا الثوريين ترغب في منح النخبة الاقتصادية المزيد من الثروة والسلطة من خلال الاقتطاعات الضريبية والحد من التنظيمات، ولكن بتشريعهم خطاب الثورة، يساعد هؤلاء اليسار أكثر مما يدركون.

Ad

كيف يمكن للمحافظين الادعاء أنهم حصن الاستقرار والنظام في وجه الخطر الثوري الذي يمثله اليسار؟ لطالما كان هذا موقفهم التقليدي، فقد حاكوا خرافة وطنية عن التميّز البريطاني استمدوا جذورها من فلسفة إدموند بورك في القرن الثامن عشر، تلك الفلسفة التي اعتبرت أن بريطانيا رفضت التغيير الجذري وتبنت التدرجية المعتدلة، بخلاف أولئك المتهورين في الجهة المقابلة من القناة. صحيح أن هذه الخرافة تجاهلت تقلبات تاريخنا وصراعاته، إلا أنها خدمت هدفاً محدداً: تصوير اليسار كما لو أنه غير بريطاني أو كيان غريب عن الشخصية الوطنية، ولكن على جانبَي الأطلسي، تبنى اليمين أسلوباً ثورياً، مؤدياً دور المتمرد في وجه النخبة الأنانية الفاسدة. يقود حزبَ العمال متشددون حقيقيون يريدون إنهاء التجربة الليبرالية الجديدة، التي بدأت قبل أربعين سنة، وتبديل المجتمع البريطاني، فتقليدياً كان المحافظون سيصورون ذلك مشروعا خطرا لن يقود إلا إلى الفوضى، ولا شك أنهم سيقومون بذلك اليوم، إلا أن خطوتهم هذه لن تتمتع بالقوة ذاتها، أليس كذلك؟ أما زال هذا الخيار متاحاً أمامهم؟ لم يضفِ المحافظون المؤيدون لخروج بريطانيا شرعية على الخطاب الثوري فحسب، بل جعلوه إلزامياً تقريباً في السياسات البريطانية، وبفضلهم ما عاد اليسار يبدو خطيراً، ونتيجة لذلك صارت الثورة الاشتراكية الديمقراطية السلمية أكثر احتمالاً، وأعتقد أننا يجب أن نكون ممتنين لذلك.

* أون جونز